الأربعاء، 23 يناير 2019

حال وأحوال أهل الحقيقة مع الله

حال وأحوال أهل الحقيقة مع الله
كتب من طرف الفقير إلى ربه بلخيري عبد الحكيم عامر
التحدث عن الصالحين والحكايات والقصص عن مناقبهم

الحكايات حبوب تصطاد بها القلوب استكثروا من هذه الحكايات فانها نثارات الذر وامثال هذه الحكايات والاخبار ترتاض بها النفوس وتانس بها القلوب لما فيها من طرافة محببة وسيرة صالحة وفكاهة مؤنسة تبعث المرء على التقوى والزهد والتخلي عن بهرج الدنيا وتجعل المرء يقبل على الله بنفس خفيفة وروح لطيفة وجنان ثابت عامر بمحبة الله وقد فطرت القلوب على حب التأسي بسير الصالحين والنسج على منوالهم والاقتداء بافعالهم واقوالهم فالحكايات جند من جنود الله تعالى يثبت الله قلوب اوليائه (وكل نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك)
واهل الحقيقة مع الله : هم الذين سلكوا سلوك السلف الصالحين ورافقوا العلماء العاملين والاصحاب الزاهدين واهل المعرفة واليقين وابتعدوا عن المبتدعين وشكروا الله على سلامة العقيدة من الزيغ والضلالة والتحقق بالاعتقاد السليم وهكذا اشرقت بنور الحق بصائرهم بعد ان غالبوا نفوسهم وكبحوا جماح شهواتهم فصفت نفوسهم واطمانت قلوبهم فان قلوب العارفين خزائن الله في ارضه وضع فيها ودائع سره ولطائف حكمته وحقائق محبته وانوار علمه وامانة معرفته
حال اهل الحقيقة مع الله : تراهم مع الشريعة المحمدية يدورون حيث دارت ويتوقفون حيث توقفت
العارفون بالله : الذين اخذوا احكام الشريعة فعرفوا حكمها باسانيدها المنقولة ورواياتها الطيبة المقبولة وتخلقوا باخلاق الله واتبعوا رسوله (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله)
كمال مرتبة الولاية : كمال التخلق بخلق النبي العظيم عليه افضل الصلاة والسلام والفضل والفضيلة والفخر والمجد بالعمل باعماله والقول باقواله والتحلي باحواله صلى الله عليه وعلى آله وكلما نقص الولي في هذه المرتبة نقصت مرتبته بنسبة نقصانه
الصوفي والتصوف وحقيقته : هو الذي يصفو به كل شيء ولا يكدره شيء والصفاء والتخلق بخلق المصطفى عليه الصلاة والسلام والاقتداء باصحابه أولي الصدق والوفاء وتصفية القلوب لعلام الغيوب بطريقة صفت مناهلها وطابت مشاربها وربطت القلوب بحبل الله وعقدتها على محبة الله وندبتها للتخلق بأخلاق الله وذلك ان تتمسكوا بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وان تتخلقوا باخلاقه المحمدية وهو خلقه القرآن
العبودية هي : الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود
العافية هي : دين بلا بدعة وعمل بلا آفة وقلب بلا شغل ونفس بلا شهوة
إذا تمكنت الانوار في السر نطقت الجوارح بالبر الفقر لباس الاحرار والغنى بالله لباس الابرار
الشكر ان تشكر الله على البلاء كشكرك على النعماء
السالكين الى الله : مجاهدة النفس والاجتهاد في الطاعات والاذكار وترك التعلق بالسوى وإعمار القلب بمحبة الله مع متابعة الكتاب والسنة
المعرفة بالله تعالى : المعرفة نورا اسكنه الله تعالى قلب من احبه من عباده ولا شيء اجل واعظم من ذلك النور وحقيقة المعرفة حياة القلب بالمحيي (اومن كان ميتا فاحييناه لينذر من كان حيا فلنحيينه حياة طيبة استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحييكم) فمن ماتت نفسه بعدت عنه دنياه ومن مات قلبه بعد عنه مولاه اذا شاهد الحق بعين اعتباره فانيا عن كل من سواه فالمعرفة فقدان رؤية ما سواه بحيث يصير ما دون الله تعالى عنده اصغر من خردلة فمن نظر الى الله تعلى لم ينظر لا الى الدنيا ولا الى العقبى وشمس قلب العارف اضوا من شمس النهار وابهج منها في مطلع الانوار اطلاع الحق سبحانه على الاسرار بمواصلة المدد كاطلاع الشمس على الارض باشراق الانوار فعليكم بتصفية القلوب فانها مواضع نظره ومواطن سره فان من عرف الله لا يختار غيره حبيبا سواه ان الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم القى عليهم شيئا من نوره فمن اصابه من ذلك النور اهتدى ومن اخطاه ضل وغوى وهو نور يخرج من سرادق المنة فيقع في القلب فيستنير به الفؤاد ويبلغ شعاعه الى حجب الجبروت ولا يحجبه عن الحق الجبروت ولا الملكوت فيصير العبد في جميع افعاله واقواله وحركاته وارادته في حياته ومماته صائرا الى النور فالمعرفة قرب القلب الى القريب ومراقبة الروح للحبيب والانفراد عن الكل بالملك المجيب وهي تخلية السر عن كل ارادة وترك ما عليه العادة وسكون القلب الى الله بلا علاقة وهيئتها جنون وصورتها جهل ومعناه حيرة فان العارف يشغله علم الله تعالى عن جميع الاسباب فاذا نظر اليه الخلق استجهلوه ويكون ابدا في ميدان العظمة ولها بين الخلق فاذا راوه استجنوه ويكون بكليته فانيا بحب جلال عظمته تعالى مشغولا عمن سواه فاذا ابصروه استدهشوه ولا يقدر احد يخبر عن المعرفة بالله تعالى فانها منه بدت واليه تعود فالعارف فان تحت اطلاع الحق تعالى باق على بساط الحق بلا نفس ولا سبب فهو ميت حي وحي ميت ومحجوب مكشوف ومكشوف محجوب تراه والها على باب امره هائما في ميدان بره متدللا تحت جميل ستره فانيا تحت سلطان حكمه باقيا على بساط لطفه فالعارفون صارت انفسهم فانية تحت بقائه وسلطانه عن كل حول وقوة تراهم باقين بحوله وقوته متلاشين عن كونهم واسبابهم تحت جلال الوهيته ملوكا به دون مملكته فقرهم به وغناهم به وعزهم به ودلهم به (يا داود اعرفني واعرف نفسك فتفكر داود فقال يا الهي عرفتك بالفردانية والقدرة والقاء وعرفت نفسي بالعجز والفناء فقال الآن عرفتني) لو عرفتم الله تعالى حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل ولزالت الجبال بدعائكم مع انه لا ينتهي احد ولا يبلغ منتهى معرفته ان الله تعالى اعظم من ان ينتهى احد الى منتهى معرفته لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه الى غيره المعرفة هي طيران القلب في سرادق الانس والالفة جولان في حجب الجلال والقدرة وه حالة من صمت اذناه عن البطالات وعميت عيناه عن النظر الى الشهوات وخرس لسانه عن التكلم بالترهات حتى ترى الخلق بي اراهم من عرف الله تعالى قل كلامه ودام تحيره فني عن صور الاعمال وتحير مع الاتصال متقربا في جميع الاحوال منقطعا عن الحال الى ولي الحال فان الامور بحقائقها لا بالحس وصورها ليس على تحقيق بالمعرفة من رضي بالحال دون ولي الحال فان من عرف الله كل لسانه ودهش عقله العارف ان تكلم بحاله هلك وان سكت احترق فمعرفة الايمان شهادة اللسان بتوحيد الملك الديان والاقرار بصدق ما في القرآن ومعرفة الايقان فهي دوام مشاهدة الفرد الديان بالجنان وهو ان يعرف ان النعمة من الله تعالى فيقوم بشكره فيستزيد به النعمة من الله ورؤية المنعم من غير ان يلتفت الى النعمة فيزيد شوقه الى المنعم ويقوم بحق معرفته ومحبته وهي معرفة التوحيد وهي لعمة المؤمنين ومعرفة الحجة والبيان وهي للعلماء والبلغاء والحكماء ومعرفة صفات الفردانية وهي لاهل ولاية الله تعالى واصفيائه الذين اظهر الله لهم ما لم يظهر لمن دونهم واعطاهم من الكرامات ما لم يجز ان يوصف ذلك بين يدي من لا يكون اهلا له خصهم الله من بين الخلائق واصطفاهم لنفسه واختارهم له فحياتهم رحمة ومماتهم غبطة طوبى لهم فمعرفة التوحيد هو اثبات وحدانية الواحد القهار وهي لا سبيل لاحد اليها وهي توحيد اي الاقرار وقطع الانداد وتجريد اي الاخلاص وقطع الاسباب وتفريد الانقطاع اليه بالكلية في كل حال والاتصال بلا سير ولا عين ولا دون وهي الخشية في السر والعلانية والانقياد له في العبودية والانقطاع اليه بالكلية والاخلاص له بالقول والفعل والنية والمراقبة في كل خطرة ولحظة حتى تصبح لو فقدته اقل من طرفة عين لمت من ساعتك طلب الحبيب من الحبيب رضاه ومنى الحبيب من الحبيب لقاه ابدا يلاحظه بعيني قلبه والقلب يعرف ربه ويراه يرضى الحبيب من الحبيب بقربه دون العباد فما يريد سواه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله) فان الله تعالى اذا اراد ان يختار عبدا ويفضله على من سواه من خلقه ويطلع في سره شمس المعرفة ينظر اليه بعين الفضل والرحمة ويفتح له ابواب الهداية ثم يكرمه بالانتباه ويوقظه من نومة الغافلين وينعم ويمن عليه بشرح القلب ويذهب عنه موت القلب بالفهم ويذهب عنه الوهم ويكرمه بالحياة والخوف واليقين ويذهب عنه الشك وجراءة الامن فاذا اجتمعت في العبد هذه الخصال اشرق فؤاده بنور فيرى ما دون حجب الجبروت وتشتاق اليه الجنان ويخمد منه لهبات النيران ولو ان المعرفة نقشت على شيء ما نظر اليها احد الا مات من حسنها وجمالها وهي راس مال المؤمن وكدلك شجرة المعرفة التي يغرسها الله تعالى في بستان قلب عبده المؤمن فانه يتعهدها بكرمه ويرسل اليها كل ساعة سحائب المنة من خزائن الرحمة فيمطر عليها قطرات الكرامة برعد القدرة وبرق المشيئة ليطهرها من غبار رؤية العبودية ثم يرسل عليها نسيم لطائف الرافة من حجب العناية ليتم لها شرف الولاية بالصيانة والوقاية فالعارف ابدا يطوف بسره تحت ظلالها ويشم من رياحينها ويقطع منها بمنجل الادب ما فسد من ثمارها وحل فيها من الخبث والآفة فاذا طال مقام سر العارف تحتها ودام جولاته حولها هاج ان يتلذ بثمارها فيمد اليها يد الصفاء ويجتني ثمارها بانامل الحرمة ثم ياكلها بفم الاشياق حتى تغلبه نار الاستغراق فيضرب يد الانبساط الى بحر الوداد ويشرب منه شربة يسكر بها عن كل ما سوى الحق سكرة لا يفيق منها الا عند المعاينة ثم يطير بجناح الهمة الى ما لا تدركه اوهام الخلائق والطعام لقمة من ذكر الله تعالى ترفع بيد اليقين من مائدة الخلد عند حسن الظن بالله تعالى او يخرج اكثر اهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا طيباتها المقصودة منها سرور المعرفة وحلاوة المنة ولذائذ القربة وانس المحبة حق لمن اعزه الله بمعرفته ان لا يذل نفسه لغيره وحق لمن والاه الله بولايته ان يقوم بحقه وحق لمن اكرمه بصحبته ان يميل الى غيره ولا يعمل بهوى نفسه وان في الليل شرابا لقلوب العارفين تطير به قلوبهم حبا لله وشوقا اليه الا ان الناظرين اليه لا الى غيره ذهبوا بصفوة الدنيا والآخرة وهذا الشراب هو التحير في الوحشة وهو للمطرودين والتحير في الدهشة للعارفين المشتاقين
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الاسلام علانية والايمان في القلب والتقوى ها هنا) والتقوى التي تقر في القلب فتحكم فيه الايمان هي روح المعرفة ان الله تعالى جعل لكل شيء قدرا ولكل قدرا حدا ولكل حد سببا ولكل سبب اجلا ولكل اجل كتابا ولكل كتاب امرا ولكل امر معنى ولكل معنى صدقا ولكل صدق حقا ولكل حق حقيقة ولكل حقيقة اهلا ولكل اهل علامة فبالعلامة يعرف المحق من المبطل وكل قلب اقعده على بساط تحقيق المعرفة وقع بسيماء المعرفة على وجهه ويظهر اثرها في حركاته وافعاله واقواله قال تعالى (تعرفهم بسيماهم) من اسر سريرة البسه الله رداءها ان خير فخير وان شر فشر فالعارفين احسن وجوها واكثر هيبة لانهم خلوا بالله مستانسين وقربوا الى الله متوجهين وفزعوا اليه متوالهين فكساهم الله بنور معرفته فيه ينطقون وله يعملون ومنه يطلبون واليه يرغبون اولئك خواص الله السابقون سعيهم في طاعة الله من غير علاقة وينصحون العامة من غير طمع مشتاقون منيبون الى الله تعالى قلوبهم له وجلة نفوسهم وحشية وقلوبهم عرشية وعقولهم مغشية وارواحهم ياسينية كلهم معصوم بقلبه عن فتنة الناس وذكر الله يحميه من شر الوسواس صدره مشروح وجسمه مطروح وقلبه مجروح وباب الملكوت له مفتوح قلبه مثل القنديل وجوارحه خاضعة كالمنديل لسانه مشغول بتلاوة القرآن ولونه مصفر من خوف الهجران ونفسه ذائبة في خدمة الرحمن وقلبه زاهر بنور الايمان نفسه مشغولة بالطلب وروحه مشغولة بقرب الرب على لسانه وصف الربوبية وعلى اركانه خدمة الديمومية وعلى نفسه اثر العبودية وفي قلبه هيبة الفردانية وفي سره الطرب بالالوهية وفي روحه شغف الوجدانية افواههم اليه ضاحكة واعينهم نحوه طامحة وقلوبهم به متعلقة وهمومهم اليه واصلة واسرارهم اليه ناظرة رموا ذنوبهم في بحر التوبة وطرحوا طاعاتهم في بحر المنة وضمائرهم في بحر العظمة ومرادهم في بخر الصفوة وهممهم في بحر المحبة في ميدان خدمته يتقلبون وتحت ظلال كرمه يتنفسون وفي رياض رحمته يرتعون ومن رياحين امتنانه يشمون ينظرون الى الدنيا بعين الاعتبار والى الآخرة بعين الانتظار والى انفسهم بعين الاحتقار والى طاعتهم بعين الاعتذار لا الاستكثار والى الغفران بعين الافتقار والى المعرفة بعين الاستبشار والى المعروف سبحانه بعين الافتخار يرمون انفسهم الى البلوى وارواحهم الى العقبى وقلوبهم الى النجوى واسرارهم الى المولى انفسهم تاركة للدنيا وارواحهم للعقبى وقلوبهم مستانسة بالذكرى واسرارهم بحب المولى قلوبهم معدن التعظيم والهيبة والسنتهم معادن الحمد والمدحة وارواحهم مواطن الشوق والمحبة وانفسهم مقهورة تحت سلطان العقل والفطنة اكثر همتهم التفكير والعبرة واكثر كلامهم الثناء والمدحة عملهم الطاعة والخدمة ونظرهم الى لطائف صنع رب العزة احدهم تراه مصفرا من خوف فراقه ذائب الاطراف من هيبة جلاله طويل الانتظار شوقا الى لقائه سلك طريق المصطفى ورمى الدنيا خلف القفا واذاق الهوى طعم الجفا وقام على قدم صدق الوفا حاله في الدنيا غريب وقلبه في صدره غريب وسره في نفسه غريب فلا يستريح من غم الغربة ووحشتها ما لم يصل الى الحبيب فامره عجيب والمولى له طبيب كلامه وجداني وقلبه فرداني وعقله رباني وهمه صمداني وعيشه روحاني وعمله نوراني وحديثه سماوي جعل الله قلبه موضع سره وموطن نظره وزينه بحلي ربوبيته وادخله دار الامارة من سلطانه يدور الفؤاد حول عزته ويرتع في روضات قدسه ويطير بجناح المعرفة في سرادقات غيبه ويجول في ميادين قدرته وحجب جبروته لو رآه الجاهل بشانه مات فزعا بعد معرفته له من ساعته علامته في الدنيا ان يكون البلاء عنده عسلا والاحزان رطبا وفي الآخرة كل واحد يقول نفسي نفسي وهو يقول ربي ربي مرادي مرادي فيكون العارف محبا للجليل وتاركا للكثير والقليل واتباعه للتنزيل وخوفه من التحويل فالعابد ذو نصب والخائف ذو هرب والمحب ذو شغب والعارف ذو طرب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذو الوجهين في الدنيا ذو لسانين في النار
العرفين على اصناف مختلفة ومناهج متفاوتة ومراتب متلونة وانواع متفرقة ومنازل متنوعة فمنهم من عرف الله بالقدر فخافه ومنهم عرفه بالفضل فاحسن الظن به ومنهم من عرف بالمراقبة فاعتقد الصدق ومنهم من عرفه بالعظمة فاعتقد الخشية ومنهم من عرفه بالكفاية فاعتقد الافتقار اليه ومنهم من عرفه بالفردانية فاعتقد الصفوة ومنهم من عرفه به فاعتقد الوصلة فوجدان الخوف على قدر عرفان القدرة ووجدان حسن الظن على قدر عرفان الفضل ووجدان الصدق على قدر عرفان المراقبة ووجدان الخشية على قدر عرفان العظمة ووجدان الافتقار على قدر عرفان الكفاية ووجدان الصفوة على قدر عرفان الفردانية ووجدان الوصلة على قدر عرفان الرب تعالى وكذلك اهل السماوات في العبادة على مقامات فمقام بعضهم الحياء والحرمة ومقام بعضهم القربة والمؤانسة ومقام بعضهم رؤية المنة ومقام بعضهم المراقبة ومقام بعضهم الهيبة قال الله تعالى :(وما منا الا له مقام معلوم) فاهل المعرفة عامتهم يعرفونه في التوحيد عن الصادق الامين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فصدقوه بقلوبهم وعملوا بابدانهم الا انهم دنسوا انفسهم بالذنوب والمعاصي فعاشوا في الدنيا على الجهل والتقصير فهم على خطر عظيم الا ان يرحمهم ارحم الراحمين واناس فوقهم يعرفونه بالدلائل وهم اهل النظر والعقل والفكر ايقنوا بالتوحيد من قبل الدلائل والآيات وآثار الربوبية استدلوا بالشاهد على الغائب واستيقنوا صحة الدلالة فهم على طريق حسن الا انهم عاشوا محجوبين عن الله برؤية دلائلهم وخواص اهل المعرفة من أولى اليقين عرفوه به سبحانه فوقفوا متمكنين مع معرفتهم لا تخطفهم الادلة ولا تصرفهم العلة دليلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وامامهم القرآن ونورهم يسعى بين يديهم فمن عرفه تعالى بالخبر كمثل اخوة يوسف اذ عرفوا لونه وغفلوا عنه حتى افتضحوا بين يديه حيث قالوا : (ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ومن عرفه بالدلائل كمثل يعقوب إذ عرف ان يوسف يعد في الاحياء فازداد حزنا وبكاء واحتمل من انواع البلاء حتى (وابيضت عيناه من الحزن) علما منه بحياته وشوقا الى لقائه حتى قال (اذهبوا فتحسسوا من يوسف)حتى قال من غفل عنه (تالله انك لفي ضلالك القديم) وقالوا (تفتؤا تذكر يوسف) ومثل من عرفه كبنيامين حين اخذه يوسف لنفسه فقال : يا اخي امشاهدتي تريد ام الرجوع الى ابيك قال : بل مشاهدتك اريد قال : فان اردتني فاصبر على محنتي قال : نعم احتمل لاجلك كل بلوى اليس اني ابقى معك ولا افارقك ثم أخرج الصواع من وعاءه ونسبه الى السرقة حتى عابه اهل مصر على ذلك ولاموه وشتمه اخوته وهو في ذلك كله مسرور ضاحك في سره ولم يخف من لومة اللائمين فهذا مثل من عرفه من اهل اليقين اهل المعرفة في الدنيا على ثلاث منازل رجل لقي العبادة فعانقها وخلط بها لحمه ودمه وفزع اليها قلبه وعلم ان الله تعالى رازقه وكافيه فوثق بوعده فلم يشغل نفسه بشيء من امور الدنيا جعل السماء غطاءه والارض فراشه ولا يبالي على يسر اصبح ام على عسر امسى يعبد الله تعالى حتى ياتيه اليقين فهذا الضرب في الدنيا اعز من الكبريت الاحمر ورجل آخر لم يصبر كما صبر الاول فطلب كسرة من حلها يقيم بها جوعه ودربالة يواري بها عورته وكوخا يسكنه وزوجة يستعف بها وهو مع ذلك شديد الخوف عظيم الرجاء فهو على طريق حسن ورجل لا يصدق الله فيبني القصر المشيد ويركب المراكب الفرهة ويستخدم الخدم فليس له في الآخرة من خلاق الا ان يرحمه ارحم الراحمين نفر من الرجال قد نحلت ابدانهم وتغيرت الوانهم بسبب الخوف من النار ونفر من الرجال ابدانهم اشد نحولا والوانهم اشد تغيرا بسبب الشوق الى الجنان ونفر من الرجال اشد واشد نحولا والوانهم اشد واشد تغيرا بسبب الحب لله والشوق اليه فهم المقربون فاهل المعرفة صنف يمشون على قدم الافتقار والاضطرار وصنف يمشون على قدم الاعتبار والانكسار وصنف يمشون على قدم الافتخار والاستبشار والناس في مشهد المعرفة اما في يقظة المعرفة فهم في تربية الولاية فينظرون الكرامة واما في نوم الفضلة فهم في تربية العداوة فهم ينظرون الاماتة الا ان يرحمهم ارحم الراحمين فسبحان من خص من عبيده من شاء واعطاهم ثم دعاهم الى نفسه بفضله حيث قال : (وانيبوا الى ربكم) فاجابوه وانابوا اليه فهم على اصناف شتى فالتائبون يمشون برجل الندامة على قدم الحياء والزاهدون يمشون برجل التوكل على قدم الرضا والخائفون يمشون برجل الهيبة على قدم الوفاء والمحبون يمشون برجل الشوق على قدم الصفاء والعارفون يمشون برجل المشاهدة على قدم الفناء فالمعرفة طعام اطعمه الله من شاء من عباده فمنهم من يذوقه ذوقا ومنهم من ياكل منه بلاغا ومنهم من ياكل منه كفافا ومنهم من ياكل منه شبعا والناس في المعرفة على منازل فمنهم من يكون منزله كشعب ومنهم من يكون كقرية ومنهم من يكون كمضر ومنهم من يكون منزله منها كالدنيا والآخرة روي ان النبي عليه الصلاة والسلام قال : اذا كان يوم القيامة نادى مناد اخرجوا من النار من قال لا اله الا الله وفي قلبه مثقال حبة من خردل من الاحسان وقال عليه الصلاة والسلام : الاحسان ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وما ذلك الا حقيقة المعرفة فيقول لهم الرب تعالى : انتم عبيدي حقا فقد طال شوقكم الي وشوقي اليكم السلام عليكم عبيدي فها انا حبيبكم فبعزتي ما خلقت الجنة الا من اجلكم فلكم اليوم ما شئتم رجال يعبدون الله شوقا الى الجنان ورجال يعبدون الله خوفا من النيران ورجال يعبدون الله حبا لله تعالى وشوقا اليه للعارف جناح الخوف يستريح من الهرب وجناح الرجاء يستريح من الطلب وجناح المحبة يستريح من الطرب وجناح الشوق يستريح من الشغب وعمل العارف خالص للمولى وقوله مستانس بالذكرى ونفسه صابرة في البلوى وسره دائم النجوى وفكره بالافق الاعلى فمرة يتفكر في نعم ربه ومرة يجول حول سرادقات قدسه فحينئذ يصير حرا عبدا وعبدا حرا وغنيا فقيرا وفقيرا غنيا فالموجود والمعروف والعزيز والمسرور والقريب والمحمود والناطق والساكت والمقبول والخائف والشاهد والغائب والباكي والضاحك وذلك لان ضحكه وسروره في حزنه وحزنه في سروره وعزه مختلط بذله وذله مختلط بعزه وخوفه ممزوج برجائه ورجاءه ممزوج بخوفه لا خوف يذهب برجائه ولا رجاء يذهب بخوفه وهو بنفسه يعيش مع الناس وبقلبه مع الله تعالى لا تغلب معاملة نفسه مع الناس معاملة قلبه مع الله تعالى عزيز ذليل فقير غني معناه كلما قلت قد دنا حل قيدي قيدوني واوثقوا المسمارا وليس كل من يرى عليه اثر الزهد فهو زاهد وكذلك اثر الرغبة والحماقة والجنون والبطالة والغفلة ان الله تعالى كلما نظر الى قلب عبد من عبيده بالفضل والرحمة كشف عنه حجاب الغفلة واظهر له لطائف القدرة فعند ذلك لا بد له اما ان يصير حكيما يتصل به الخلق الى الله واما ان يكل لسانه فيصير مدهوشا مبهوتا واما ان يصير مستورا في حجبه محفوظا في قبضته حتى لا يراه غيره لشدة غيرته عليه فسبحان من حجب اهل معرفته عن جميع خلقه حجبهم عن ابناء الدنيا باستار الآخرة وعن ابناء الآخرة باستار الدنيا وذلك لان اهل المعرفة عرائس الله تعالى في ارضه والله محرمهم لا محرم لهم غيره فهم عند الله مخدورون وقد روي ان الله تعالى اوحى الى داود اوليائي في قباب لا يعرفهم الا اوليائي فطوبى لاوليائي ثم طوبى لاحبائي لو بدت ذرة من نور النبي عليه الصلاة والسلام لا حترق ما بين العرش والثرى فكمال حال العارف احتراقه بحبه لربه فيكون مستغنيا بالمعطي عن العطاء وبالمكون عن الكون مستغرقا في بحار سرور وجدانه ساكنا بقلبه معه مع ترك كل اختيار لنفسه ولا يجزع عند الشدائد والبلوى لرؤيته ويعلم ان الله تعالى اقرب اليه من كل شيء وارحم عليه من كل واحد واعز واكبر من كل شيء وان لكل شيء خلفا ما خلا الله تعالى وانما يعرف العارف اذا ميز الخواطر النفسية من الخواطر الروحية والارادة الدنياوية من الاخروية والهمم العلوية من السفلية فمن رزق التوفيق على حفظ حدود صدق وفاء العبودية والقيام بشروطها ووجد السبيل الى طريق حفظ تحقيقها ثم قام بذكره وذكر ذكره ثم شكرة وشكر شكره فيصير مع النفس بلا نفس ومع الروح بلا روح ومع الخلق بلا خلق المعرفة هي الميم ملك نفسه والعين عبد الله على صدق ووفاء والراء رغب الى الله بالكلية والفاء فوض امره الى الله والهاء عرب من كل ما دون الله الى الله فكل عارف يملك نفسه بقدر معرفته بكبريائه تعالى وعظمته ويعبد ربه على قدر معرفته بربوبيته ويرغب اليه على قدر معرفته بفضله وامتنانه ويفوض امره اليه على قدر معرفته بقدرته ويهرب اليه على قدر معرفته بملكه وسلطانه فهو عارف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستجاب لاحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي) والعجلة هنا من غلبة الاشتغال بالقصد دون خالقه وهذا من نقصان المعرفة فان العارف لا يشغله شيء عن ربه فاذكروا الصالحين عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة فعلينا ان نشتغل بالذكر لان الله معنا قال تعالى : (وهو معكم اين ما كنتم) قصد احد الصالحين بيت المقدس فاضل طريقه فاذا بالمراة اقبلت علي فقلت لها اانت ضالة قالت كيف يكون غريبا من يعرفه وكيف يكون ضالا من يحبه ثم قالت لي خذ راس عصاي وتقدم بين يدي مشيا فاخذت راس عصاها ومشيت بين يديها سبعة لقدام فاذا انا في مسجد بيت المقدس فدلكت عيني فقلت لعل هذا غلط مني فقالت يا هذا سيرك سير الزاهدين وسيري سير العارفين فالزاهد يسير والعارف يطير وانّى يلحق السيار الطيار ثم غابت فلم ارها بعدها وقال احد الصالحين كنت راكبا البحر اذ انكسرت السفينة وبقيت انا وامراتي فولدت ولدا فارادت الماء فرفعت راسي الى السماء فاذا رجل جالس على الهواء وفي يده ركوة من ياقوتة حمراء في سلسلة من ذهب وقال خذ فسالته عن ذلك فقال تركت هواي فاجلسني في الهواء قال ابي عاصم الربعي بعث لي الحجاج رجاله وكنت في بيتي فوقفوا على الباب ليدخل علي الرسول فصرت مدهوشا فاذا بيد اخذت بيدي وجرتني قدما فنظرت فاذا انا على جبل ابي قبيس وقال بن ادهم مررت براع فقلت له هل عندك شربة من الماء او من اللبن قال ايهما احب اليك قلت الماء فضرب بعصاه حجرا صلدا لا صدع فيه فانبجس منه الماء فشربت منه وهو ابرد من الثلج واحلى من العسل وبقيت متعجبا فقال الراعي لا تتعجب فان العبد اذا اطاع الله اطاعه كل شيء وكان لرابعة الصرية سلة معلقة في بيتها فكلما ارادت الطعام ضربت بيدها الى السلة فوجدت فيها اي الطعام شاءت خرج سلمان الفارسي رضي الله عنه من المدائن ومعه ضيف فاذا بظباء تسير في الصحراء وطيور تطير في الهواء فقال سلمان لياتني ظبي وطير سمينان فقد جاءني ضيف احب اكرامه فجاء كلاهما فقال الرجل سبحان الذي سخر لك الطير في الهواء قال او تتعجب من هذا هل رايت عبدا اطاع الله فعصاه الله قال عبد الواحد بن زيد بينما انا وايوب السختياني نسير في طريق الشام فاذا باسود اقبل الينا يحمل كارة حطب فقلت يا اسود من ربك قال الثلي تقول هذا فرفع راسه الى السماء وقال الهي حول هذا الحطب ذهبا فاذا هو ذهب ثم قال ارايتم هذا قلنا نعم قال اللهم رده حطبا فصار كما كان ثم قال سلوا العارفين لا تفنى عجائبهم فقال ايوب بقيت خجلا من العبد واستحييت منه حياء ما استحييت مثله قبل ذلك من احد قط ثم قلت امعك شيء من الطعام فاشار فاذا بين ايدينا عكة فيها عسل اشد بياضا من الثلج واطيب ريحا من المسك قال كلوا فوالله الذي لا اله الا هو ليس هذا من بطن النحل فاكلنا فما راينا شيئا احلى منه فتعجبنا فقال ليس بعارف من تعجب من الآيات ومن تعجب فهو بعيد من الله ومن عبده على رؤية الآيات فهو جاهل بالله وقد كنت حاجا واردت التلبية فاخذت منديلا لي فغسلته وقطعته نصفين ثم تزررت بنصف وارتديت بنصف آخر لحاجة فاذا بهاتف يهتف انظر ما بين يديك فنظرت فاذا البادية فضة كلها فغمضت عيني ومضيت وقلت اللهم اني اعوذ بك من كل ارادة سواك وحكي ان رجلا من العارفين فرغ من اعمال الحج واركانه ثم اخذ يحرم مرة اخرى وقال لبيك اللهم لبيك فقيل له يا هذا ان وقت الحج والتلبية قد مضى فقال قد احرمت من الوطن الى زيارة البيت والآن احرمت من البيت الى صاحب البيت فقيل هنيئا لمن احرم عن غيره وحكي ان هرم بن حيان رحمه الله قال منت اسير على شاطئ الدجلة فاذا برجل اقبل الي وعليه سيما العارفين فسلمت عليه فقلت له كيف حالك وشانك فقال (سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا) يا هرم بن حيان اشتغل بما يعنيك فقلت رحمك الله من اين عرفت اسمي واسم ابي وما رايتك قبل اليوم فقال اما عرفت ان العارفين يتعارف بعضهم بعضا بنور المعرفة فتعجبت من حسن فصاحته وتحيرت من هيبته وقال ذو النون رضي الله عنه بينما انا اسير فاذا انا بقرية والناس يصيحون فدنوت فاذا اسود يسخرون به فرفع راسه الي وقال ياذا النون اعرف قدر الله ولا تمن على الله فان الحبيب لا يمن على الحبيب فسالته عن حاله اني مجنون ولا اجالس الناس ولا آكل الا بعد اربعين يوما الا اكلة واحدة ثم نظر الى السماء وقال يا غاية همم العارفين ان عرفتك فبمواهبك وان شكرتك فبعصمتك وقال ذو النون بينما انا اسير على شاطئ النيل فاذا بجارية منطلقة في النيل وقد اضطربت امواجه وتقول الهي ترى ما تفعل بي فقلت يا جارية اتشكين منه وهو صاحب كل بر وفاجر فقالت ياذا النون انت الذي اذا شكرت شكرت منه واذا سخطت سخطت عليه قلت يا جارية من اين عرفت اسمي وما رايتني فقالت عرفتك بنور معرفة الجبار فقلت لها اتجدين وحشة للوحدة قالت لا والذي نور قلبي بنور معرفته ما سكن قلبي قط الى غيره فانه مؤنس الابرار في الخلوات وصاحب الغرباء في الفلوات وقال الواسطي رحمه الله بينما انا امشي في البادية اذا اعرابي جالس منفرد فدنوت منه وسلمت عليه فرد علي السلام وابى ان يكلمني فقال اشتغل بذكر الله فان ذكر الله شفاء القلوب كيف يتفرغ ابن آدم من ذكره وخدمته والموت في اثره والله ناظر اليه ثم بكى وبكيت معه فقلت له مالي اراك فريدا وحيدا قال ما انا بوحيد والله معي وما انا بفريد والله مؤنسي ثم قام ومضى مسرعا وهو يقول سيدي اكثر خلقك مشغولون عنك بغيرك وانت عوض عن جميع ما فات يا صاحب كل غريب ويا مؤنس كل وحيد ويا ماوى كل فريد وجعل يمر وانا اتبعه ثم اقبل الي وقال ارجع عافاك الله الى من هو خير لك مني ولا تشغلني عمن هو خير لي منك ثم غاب عن بصري وحكي ان عبد الواحد بن زيد قال مررت براهب فسالته منذ كم انت في هذا المكان فقال منذ اربع وعشرين سنة قلت من انيسك قال الفرد الصمد قلت من المخلوقين قال الوحش قلت فما طعامك قال ذكر الله قلت من الماكول قال ثمار هذه الاشجار ونبات الارض فقلت اما تشتاق الى احد قال نعم الى حبيب قلوب العارفين قلت الى المخلوقين قال من شوقه الى الله فكيف يشتاق الى غيره قلت فلم اعتزلت عن الخلق قال لانهم سراق العقول وقطاع طريق الهدى قلت ومتى يعرف العبد طريق الهدى اذا هرب الى ربه من كل ما سواه واشتغل بذكره عن كل من سواه قال هرم بن حيان رايتا ويس بن عامر فسلمت عليه فقال وعليك السلام يا هرم بن حيان فقلت كيف عرفت اسمي واسم ابي قال عرفت روحي روحك بنور معرفة ربي قلت اني احبك في الله قال ما اظن ان احدا يحب غير الله فكيف يحب غير الله لله قلت اريد الصحبة معك والانس بك قال ما ظننت عارفا يستوحش عن الله حتى يستانس بغيره قلت اوصني قال اوصيك بالله سبحانه فانه عوض عن كل ما فاتك وقال ذو النون المصري كنت اسير في بعض المفاوز فاذا انا برجل مرتد بحشيش فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال من اين الفتى قلت من مصر قال الى اين قلت اطلب الانس بالمولى قال اترك الدنيا والعقبى يصح لك الطلب قلت هذا كلام صحيح صححه لي قال اتتهمنا فيما نقول وقد اعطينا خيرا مما نقول وهو المعرفة قلت ما اتهمك ولكني اريد ان تزيدني نورا على نور فقال يا ذا النون انظر فوقك فاذا السماء والارض كانهما ذهب يتوقد ويتلالا قال اغضض بصرك فصارتا كما كانتا فقلت كيف السبيل الى هذا قال تفرد بالفرد ان كنت له عبدا وقال محمد المقدسي رحمه الله دخلت دار المجانين يوما بالشام فرايت فيها شابا على رقبته غل وعلى رجليه قيد مشدود بالسلسلة فلما وقع بصره علي قال لي يا محمد اترى ما فعل بي واشار بطرفه نحو السماء ثم قال جعلتك رسولا اليه ان تقول له لو جعلت السماوات غلا على عنقي والارضين قيدا على رجلي ما التفت منك الى غيرك طرفة عين
على بعدك لا يصبر من عادته القرب ولا يقوى على قطعك من تيمه الحب اذا لم ترك العين فقد ابصرك القلب قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ان الله تعالى عز وجل يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله امركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال اي سادة ان لله تعالى عبادا اصطفاهم لمعرفته وخصهم بمحبته واختارهم لصحبته واجتباهم لمؤانسته وقربهم لمناجاته وحرضهم على ذكره وانطقهم بحكمته واذاقهم من كاس محبته وفضلهم على جميع خلقه حتى لم يريدوا به بدلا ولا سواه كفيلا ولا دونه ناصرا ومعينا ووكيلا ولقد سبقوا من دونهم سبقا لا بكثرة الاعمال ولكن بصحة الارادات وحسن اليقين مع دقائق الورع والانقطاع بالقلب اليه وتصفية السر عن كل ما دون الحق فاذاقهم الله طعم لباب معرفته وانزلهم في حظيرة قدسه لا يصبرون عن ذكره ولا يشبعون من بره ولا يستريحون لغيره فيا طوبى لهم هم الاقلون عددا والاعظمون خطرا بهم يحفظ الله محبته حتى يؤدونها الى نظرائهم فيا طوبى لهم هم الزاهدون فيما رغب فيه الغافلون والمستانسون فيما استوحش منه الجاهلون والمشتاقون الى ما هرب عنه الساهون هم الذين نظروا باعين القلوب الى حجب الغيوب وجالت ارواحهم في الملكوت فهمتهم في سرهم عند ربهم به يستمعون وبه ينظرون وبه يريدون وبه يتحركون قلوبهم بحبها مستانسة بانسها قال ذو النون للعارف نار ونور نار الخشية ونور المعرفة فظاهره محترق بنار الخشية وباطنه منور بنور المعرفة فالدنيا تبكي بعين الفناء عليه والآخرة تضحك بسن البقاء اليه فكيف يقدر الشيطان ان يدنو منه ظاهرا وباطنا الا كالبرق الخاطف او كالريح العاصف فان اتاه عارض من قبل العين احرقته نار العبرة وان اتاه من قبل النفس احرقته نار الخدمة وان اتاه من قبل العقل احرقته نار الفكرة وان اتاه من قبل القلب احرقته نار الشوق والمحبة وان اتاه من قبل السر احرقته نار القرب والمشاهدة فتارة يحرق قلبه بنار الخشية وتارة يتشفى بنور المعرفة فاذا امتزجت نار الخشية ونور المعرفة هاجت ريح اللطف من سرادقات الانس والقربة فيظهر الصفاء الحق للعبد فتراها تلاشت الانانية وبقيت الالوهية كما هو في الازل ويفتح للعارف وهو نائم على فراشه مالا يفتح لغيره وهو في صلاته قال ابو يزيد رحمه الله ادنى مقامات العارف ان يمر على الماء ويطير في الهواء واعلاها ان يمر على الدارين من غير ان يلتفت الى من سواه قال ابو بكر الواسطي رحمه الله دوران العارف مع محبوبه على اربعة اوجه سرور المعرفة وهو ممزوج برؤية حسن العناية وحلاوة الخدمة وهو ممزوج بذكر المنة وانس الصحبة وهو ممزوج بلذائذ القربة وخوف المفارقة وهو ممزوج بتحقيق كمال القدرة فالعارف بين البر والذكر لا الله يمل من بره ولا العارف يشبع من ذكره فالله اضحك العارفين بسرور معرفته ثم ابكاهم من خوف مفارقته وامات من شاء بسيف قطيعته واحيى من شاء بروح وصلته ليعلم الخلائق انه فعال لما يريد وروي ان سليمان عليه الصلاة والسلام نظر الى مملكته يوما فامر الله تعالى الريح حتى كشف عورته فقال للريح رد علي ثوبي فقال الريح رد قلبك الى مكانه فطوبى لاهل المعرفة عرفهم انفسهم قبل ان يعرفوه واكرمهم قبل ان يعرفوا الكرامة اولئك اقوام انفسهم روحانية وقلوبهم سماوية خائفة وهمومهم مرضية وصدورهم جزعة واعينهم دامعة عقلوا فعلموا ووجدوا فرحلوا وانفتح لهم نور القلب لله قوم مصطفون لنفسه اختارهم من سالف الازمان اختارهم من قبل فطرة خلقهم فيهم ودائع حكمة وبيان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحياء من الايمان الحياء الشامل للوجه وللقلب هو من الايمان بالله وهو طور العارفين بالله سبحانه وتعالى الذين جعل قلوبهم عيبة اسراره وخزائن الله في ارضه ووضع فيها ودائع سره ولطائف حكمته ودقائق محبته وانوار علمه وامانة معرفته فكلامهم هو الكشف عما يشاهده القلب واظهار علوم السر وبيان معاملة الضمير من تميز عن الاتصال وبيان الاسباب الشاغلة عن الحق من الاسباب الداعية الى الحق كالدنيا والنفس والخلق واما الداعية الى الحق فالعقل واليقين والمعرفة من عرف نفسه عرف ربه اي به وله ومنه واليه وعليه وليس في كلامهم انا واني ونحن ولي وبي  لان الفاظهم فردانية وحركاتهم صمدانية واخلاقهم ربانية وارادتهم وحدانية لا يعرف اشارتهم الا من له قلب حريق فيه خزائن الاسرار وجواهر القدس وسرادقات الانوار وبحار الوداد ومفاتيح الغيب واودية الشوق ورياض الانس فكلما ابرز العارف لسان الحكمة من ينبوع المعرفة باشارات بها قلوب المريدين والمشتاقين القلوب كالقدور ومغارفها الالسن فكل لسان يغرف لك ما في قلبه ان مثل المعرفة كمثل سراج في قنديل والقنديل معلق في بيت فما دام السراج في البيت يكون البيت مضيئا وربما يفتح الباب فيقع ضوء السراج خارج البيت ويضيء فكلام اهل المعرفة يقع ضياؤه على قلوب اهل النور فتصير اعينهم دامعة والسنتهم ذاكرة مثل نفس العارف كمثل البيت ومثل قلبه كمثل القنديل دهنه من اليقين وماؤه من الصدق وفتيله من الاخلاص والزجاجة من الصفاء والرضا وعلائقه من العقل فالخوف نار في نور والرجاء نور في نار والمعرفة نور في نور فالقنديل معلق بباب الكوة اذا فتح العارف فاه بالحكمة التي في قلبه هاج في الكوة فمه نور من الانوار التي في قلبه فيقع ضياؤه على قلوب اهل النور فيتعلق النور بالنور وان بعض القول اشد ضوءا من النهار وبعضها اشد ظلمة من الليل وكلام اهل المعرفة كنز من كنوز الرب سبحانه معدنه قلوب اهل المعرفة امرهم الله تعالى بالانفاق منه على اهله واضوء شيء من الشمس المعرفة وانفع شيء من الماء كلام اهل المعرفة واطيب من المسك وقت العارف وحرفة العارف النظر الى صنع الربوبية واعلام لطائف القدرة وكان كلام السلف انفع من كلام الخلف لان مرادهم كان عز الاسلام ونجاة النفوس والشفقة على الاخوان ورضا الرحمن ومرادنا عز النفس وثناء الناس وطلب التنعم في الدنيا فالعبد اذا اطاع ربه رزقه نهلة من عين المعرفة واطق بها لسانه واذا ترك طاعته لم يسلبها ولكن ابقاها في قلبه ولم ينطق بها لسانه ليكون ذلك حسرة عليه وابتلاء بانواع المحن وما من مؤمنين يلتقيان فيذكران الله الا ويزيد الله تعالى في قلوبهم نور المعرفة قبل ان يتفرقا ان الله تعالى اطلع اهل المعرفة على تلاطم امواج بحار خواطر القلوب واشرفهم على خزائن الاسرار وبواطن العلوم التي لا يحصى عددها ولا ينقطع مددها ولا يدرك قعرها ولا يفنى عجائبها حتى يغوصوا بنور المعرفة في قعر بواطن اشاراتها المكنونة في معانيها المخزونة فيستخرجوا منها قلوب المحبين ويستانس بها ارواح المريدين وهي نور من انوار الهداية يهتدي به العبد الى طريق حسن الرعاية اذا ادركه من الحق التوفيق والعناية فاكثر المفاليس يفتحون من كيس غيرهم ان كنت مقبلا على ربك فاقبل عليه بصدق ووفاء يمدك بفوائد لم تخطر على قلب بشر وكان يحي بن معاذ يتكلم ذات يوم فصاح رجل في مجلسه ومزق ثوبه فقال انه كلام اهل المعرفة كلما نبع من عين سر الوحدانية قرع قلب المحترق بنيران الشوق والمحبة فتلاشت عن صاحبه صفات الانسانية كلام المتقين بمنزلة الوحي فيحدثه قلبه عن فكره وسره عن ربه فالحكمة هي ضالة المريد حيثما وجدها اخذها فلا يبالي من اي وعاء خرجت وباي لسان نطقت ومن اي قلب نقلت او على اي حائط كتبت او من اي كافر سمعت ومن اراد ان يؤتيه الله علما من غير تعلم وهدى من غير هداية فليزهد في الدنيا وان الحكمة اهلا وزمانا وقد مضى زمنها والاكثرون من اهلها وليس علينا الا اثر المصيبة فانا لله وانا اليه راجعون اطلبوا مصابيح كلام العارفين قبل وفاتهم نعمة اعرفوا شرفها وكمال فضلها وانما اختار لقمان الحكمة لشرفها هي برهان الصديقين ونزهة المتقين وفردوس العارفين وميراث النبيين والمرسلين فاطلبوها قبل ذهابها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه ذنوبه ويخفى عنه كبارها فيقال له عملت كذا وكذا وعملت يوم كذا كذا وكذا قال وهو مقر ليس ينكر قال وهو مشفق من الكبار ان يجاء بها فاذا اراد الله به خيرا قال اعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول حين طمع ان لي ذنوبا ما رايتها ها هنا قال فلقد رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه ثم تلا : فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وهذا الاشفاق هو شيء من اسرار اليقين بالله وحال سلطانه يفرغه في قلوب اهل المعرفة ولهذا الحديث الشريف شان جليل ينبي عن كرم الهي فوق تعبير اللسان يعرفه العارفون ويزلق به الغافلون ويزداد خوفا من الله به الموفقون من اراد ان يتكلم بلسان اهل المعرفة فينبغي ان يحفظ ادب كلامه فلا يكشف دقائقه الا عند اهله وان لا يحمل المريد فوق طاقته ولا يمنع كلامه من كان من اهله ويكون كلامه مع اهل المعرفة بلسان اهل المعرفة ومع اهل الصفا ومع اهل المحبة بلسان المحبة ومع اهل الزهد بلسانهم ومع كل صنف على قدر مراتبهم ومنازلهم وقدر عقولهم فان الله جعل للعارف هذه الالسن نعم كلها تتلاشى عند ظهور سلطان الحق وينبغي الا يحدث بحديث لا يبلغ عقل المستمع اليه فيكون ذلك فتنة فان اكثر الناس جاهلون اشتغلوا بعلوم الظواهر وتركوا علم تصحيح الضمائر فلا يحتملون دقائق كلام العارفين لان كلماتهم لاهوتية واشاراتهم قدسية وعبارتهم ازلية فلذلك ينبغي للمستمع ان يكون معه السراج الازلي والنور الديمومي ولسان الحال افصح من لسان المقال فمن رضي بالحال دون ولي الحال صار مخذولا عن الحال ومحجوبا عن ذي الجلال واي دهشة اشد من دهشة العارف ان تكلم عن حاله هلك وان سكت احترق فمن ورد قلبه الحضرة كل لسانه ومن غاب قلبه عن الحضرة كثر كلامه وما رايت محدثا في قوم يحدثهم بغفلة الا كان ذلك قسوة فسكوت العارف حكمة وكلامه نعمة من لم يكن له حلاوة المعرفة ورؤية المنة وشكر النعمة ولذائذ القربة وخوف المفارقة وانس الصحبة واخلاص العبادة وسرور الهداية فليس له ان يتكلم بكلام اهل المعرفة وان تكلم فلا يحمل فوق الطاقة ولا يمنع اهل الحاجة ولا يضيع اهل الغفلة وحكي ان لاجلا جاء الى عارف قال حدثني فقال ان مثلي معك كرجل وقع في القذورات فذهب الى العطار وقال اين الطيب فقال العطار اذهب اشتر الاشنان واغسل نفسك ولباسك ثم تعالى فتطيب وكذلك انت لطخت نفسك بانجاس الذنوب فخذ اشنان الحسرة وطين الندامة وماء التوبة والانابة وكهر ظواهرك في اجانة الخوف والرجاء من انجاس الجرم والجفاء ثم اذهب الى حمام الزهد والتقى واغسل نفسك بماء الصدق والصفا ثم ائتني حتى اطيبك بعطر معرفتي ويا صاحب الحكمة كن كالطيب الناصح يضع الدواء حيث ينفع ويمنع الدواء حيث يضر لا تضع الحكمة في غير اهلها فتكون جاهلا ول تمنعها من اهلها فتكون ظالما ولا تكشف سرك عند كل احد فتصير مفتضحا بين المحبين سر ليس يفشيه خط ولا قلم عنه فيحكيه نار تقابله انس يمازحه نور يخبره عن بعض ما فيه شوقي اليه ولا ابغي له بدلا هذي سرائر كتمان تناجيه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتي يوم القيامة باب الجنة فاستفتح فيقول الخازن من انت فاقول محمد فيقول بك امرت ان لا افتح لاحد قبلك) وقد علم اهل العلم بالله ان الجنة التي هي باب الخير الالهي الابدي لا تفتح الا بفتح محمد صلى الله عليه وسلم فهو الفاتح لكل خير دنيوي واخروي والعلم بشانه هو سر العلم بالله تعالى فمن اراد ان يفتح له ابواب الخير الدنيوي والاخروي فعليه ان يتعلق باذياله فان في نفحاتها علم المعرفة وهو العلم بالله تعالى وهو نور من انوار ذي الجلال وخصلة من اشرف الخصال اكرم الله به قلوب العقلاء فزينها بحسن جماله وعظيم شانه وخص به اهل ولايته ومحبته وفضله على سائر العلوم واكثر الناس عن شرفه غافلون وبلطائفه جاهلون وعن عظيم خطره ساهون وعن غوامض معانيه لاهون فلا يدركه الا ارباب القلوب الموفقون وهذا العلم اساس بنيت عليه سائر العلوم به ينال خير الدارين وعز المنزلين وبه يعرف العبد عيوب نفسه ومنن ربه وجلال ربوبيته وكمال قدرته به يطير سر العبد بجناح المعرفة في سرادقات لطائف القدرة ويجول حول منتهى العزة ويرتع في روضات القدس فلا تتم العلوم كلها دون امتزاج شيء منه بها ولا تفسد الاعمال الا بفقده ولم تسكن اليه الا قلوب نظر الله اليها بالرافة والرحمة وامطر عليها امطار الفهم والبلاغة وطيبها برياحين اليقين والفطنة وجعلها موضع العقل والفراسة وطهرها من ادناس الجهالة والغفلة ونورها بمصابيح العلم والحكمة قال الله تعالى : (يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) فكل عارف يخشى الله تعالى ويتقه على مقدار علمه بالله عز وجل لقوله تعالى : (انما يخشى الله من عباده العلماؤا) بنوره يعرف وساوس الدافعة الى المعاصي والزلات ويحذر به آفات الارادات قال الله تعالى : افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه)(ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور) ان من العلم كهيئة المكنون لا يعرفها الا اهل العلم بالله ولا ينكرها الا اهل الغرة وجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اي الاعمال افضل فقال (العلم بالله) ان موسى عليه السلام قال يا رب اي العباد اكثر حسنة وارفع درجة عندك قال :(اعلمهم بي) قال سيدنا علي رضي الله عنه : اعلم الناس بالله اشدهم تعظيما لحرمة لا اله الا الله قال ابو الدرداء رضي الله عنه : من ازداد بالله علما ازداد وجلا ان الله تعالى اوحى الى داود عليه الصلاة والسلام : (ان يا داود تعلم العلم النافع قال الهي وما العلم النافع قال ان تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي وكمال قدرتي على كل شيء فان هذا الذي يقربك الي واني لا اعذر بالجهالة من لقيني) العلم بالله ان ترى قضاءه في الخلق مبرما والضر والنفع والعز والذل منه وترى نفسك لله والاشياء كلها في قبضته والا تختار لنفسك غير اختياره وتعمل لله خالصا يا بني اجتهد في تعلم علم السر فان بركته كثيرة اكثر مما تظن يا بني من تعلم علم العلانية دون علم السر هلك وهو لا يشعر يا بني ان اردت ان يكرمك الله بعلم السر فعليك ببغض الدنيا واعرف حرمة الصالحين واحكم امرك للموت قال الله تعالى : (وقل رب زدني علما)(وعلمك ما لم تكن تعلم)(وعلمناه من لدنا علما) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فرب رجل كثير الروايات جاهل بالله ان علم المعرفة فضل من الله يؤتيه من اصطفاه من خلقه واجتباه لصحبته فعلم اللسان هو حجة الله على العباد وعلم القلب هو العلم الاعلى لا يخشى العبد من الله الا به وقال صلى الله علي وسلم : (اشدكم لله خشية اعلمكم بالله) فعالم بامر الله غير عالم بالله فذلك العالم الفاجر الذي لا يصلح الا للنار وعالم بالله غير عالم بامره فذلك ناقص وعالم بالله وبامره به فهو عالم كامل فسبيل معرفة الله ليس يعرف بالاشياء بل تعرف الاشياء به كما قال ذو النون عرفت الله بالله وعرفت ما دون الله بنور الله وقال ابراهيم عليه السلام الهي لولا انت كيف كنت اعرف من انت ورابعة العدوية قالت لذي النون كيف عرفت الله قال رزقني الحياء وكساني المراقبة فكلما هممت بمعصية ذكرت جلال الله فاستحيت منه مثل المعرفة كشجرة لها ستة اغصان اصلها ثابت في ارض اليقين والتصديق وفرعها قائم بالايمان والتوحيد فاول اغصانها الخوف والرجاء مقرونان بغصن الفكرة والثاني الصدق والوفاء مقرونان بغصن الاخلاص والثالث الخشية والبكاء مقرونان بغصن التقوى والرابع القناعة والرضا مقرونان بغصن التوكل والخامس التعظيم والحياء مقرونان بغصن السكينة والسادس الاستقامة والوفاء مقرونان بغصن الود والمحبة ويتشعب من كل غصن مالا نهاية له في العدد من انواع الخير والصدق في المعاملة وانس الصحبة وفرائد القربة وصفاء الوقت وغير ذلك مما لا يصفه الواصفون وعلى كل شعبة من ثمار شتى لا يشبه لون احدها الآخر ولا طعمها تحتها انوار التوفيق جارية من ينبوع الفضل والعناية والناس في ذلك على تفاوت الدرجات وتباين الحالات فمنهم من اخذ بفرعها غافل عن اصلها محروم من اغصانها محجوب عن حلاوة ثمارها ومنهم من تمسك بفروعها ومنهم من اخذ باصلها ومنهم من اخذها كلها من غير ان يلتفت الى كلها لا نفراده بوليه خالقها ومن لم يكن له نور من سراج التوفيق ولو جمع الكتب والاخبار والاحاديث كلها لا يزداد الا بعدا ونفورا (كمثل الحمار يحمل اسفارا) غرائب العلم ان تعرف ربك وتقوم بحقه ما شاء الله فتنطلق فتحكم فاذا حكمت فتعرف غرائب العلم والفرق بين المعرفة وغيرها كالفرق بين الحي والميت روي ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود عليه السلام : (بشر المذنبين باني غفور وانذر الصديقين باني غيور) وروي ان يوسف عليه الصلاة والسلام لما القي في الجب كان يقول من لعب في خدمة مولاه فغيابة الجب ماواه .
حق لمن عرف المولى الا يشكو البلوى اذا لم يعرف العبد المولى فكل لسان له دعوى ليس للعارف دعوى ولا للمحب شكوى اذا سبقت من الرب العناية هزمت من العبد الجناية اذا سبقت العناية وجبت الولاية بالعانية تحصل الولاية والولاية تهدم الجناية ليس الشان في الولاية لكن الشان في العناية لم يدرك الولاية من فاتته العناية المصر من اسر السر طرح الخلق وجود الحق اطرح الدعوى تجد المعنى من كان له باطن صحيح فجميع كلامه مليح لا تغتر بصفاء الاوقات فان تحتها فنون الآفات لا تغتر بصفاء العبودية فان فيها نسيان الربوبية خل الدارين للطالبين واستانس برب العالمين استهد بالله فنعم الدليل وتوكل عليه فنعم الوكيل ما دام قلب العبد بغير الله معلقا كان باب الصفاء عنه مغلقا الانس بالله نور ساطع والانس بالمخلوق هم واقع معدن الاسرار قلوب الابرار قلوب الابرار حصون الاسرار القلب اذا ابتلى بالمربوب عزل عن ولاية المحبوب خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي توكل تكف وسل تعط ليس باللبيب من اختار على الحبيب بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى العبد اذا سخط عليه مولاه سخط عليه ما سواه واذا رضي عنه مولاه رضي عنه ما سواه عذر الحبيب عند الحبيب مبرور وذنب الحبيب عند الحبيب مغفور من اراد المولى فليتهيا للبلوى هون الدنيا وما فيها عليك واجعل الحزن لما بين يديك الموت جسر مهيب يوصل الحبيب الى الحبيب ينبغي ان يكون العبد مشغولا بما يكون غدا عنه مسؤولا اجعل التقى جليسك والدعاء انيسك الا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل الحب يحرق والشوق يقلق هذا سرور الخبر فكيف سرور النظر كل نعمة دون الجنة فانية وكل بلاء دون النار عافية التوبة تطهر الحوبة الاعتراف يهدم الاقتراف هب ان الله عفا عن المسيئين اليس قد فاتهم ثواب المحسنين اعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا اطلب ما يغنيك بترك ما لا يعنيك الرزق مقسوم والحريص محروم العبد حر اذا قنع والحر عبد اذا طمع اخرج الطمع من قلبك تحل القيد من رجلك قدم الى الحشر زادك فان الى الله معادك الدنيا دنية وحبها خطية الدنيا ساعة فاجعلها طاعة الدنيا كلها غرور والعقبى كلها سرور الدنيا معدن الخطا والعقبى معدن العطا الدنيا معدن الجفا والعقبى معدن الوفى اساس التقوى ترك الدنيا اخوف الناس آمنهم ما اغفلك عما خلقت له وما اعجزك عما امرت له منعك طول الامل عن ذكر الاجل لا تعص مولاك بطاعة هواك راس الوفا ترك الجفا ان اردت المكارم فاجتنب المحارم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك المؤمن كثير الفعال قليل المقال والمنافق قليل الفعال كثير المقال اتق الله اذا خلوت يستجب لك اذا دعوت غضب الله اشد من ناره ورضوانه اكبر من جنته دع التدبير الى الملك الخبير طلب الحلال اشد من نقل الجبال كل هم وذكر لغير الله فهو حجاب بينك وبين الله لا تقع المؤانسة بين العبد وبين ربه حتى تقع الوحشة بينه وبين خلقه لا يصل العبد الى الحق حتى يعتزل عن صحبة الخلق حسبي من سؤالي علمه بحالي كل محبوب سوى الله سرف وعناء وبلاء وتلف وهموم وغموم واسف ما خلا الرحمن ما عنه خلف ما رايت مثل الجنة نام طالبها ولا مثل النار نام هاربها درت حول المشرقين ثم درت المغربين فوجدت الآمر كلا لمليك الثقلين حبه منية قلبي ذكره قرة عين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء) هذا الحديث الشريف فيه من اسرار العلم بالله العجائب امر به المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن في الارض من المخلوقين لتحصل بذلك الرحمة للعبد من كل من في السماء من العلويين فان السماء طريق تنزل الرحمات الربانية ومحل انبوب الافاضات الحموتية ومقر الملائكة الذين جعلهم الله وسائط اسراره بينه وبين خلقه فاذا القى الرحمة في سر ملك الرزق طاب الرزق واذا القاها في سر كاتب الاعمال انساه السيئات واذا القاها في سر الرقيب اعان ورفق والرحمة حال العارف ومعراج قلبه الى ربه وان عباد الله العارفين مظاهر لرحمة رب العالمين في المخلوقين وهو سبحانه ارحم الراحمين اذا تحققت بالرحمة للمخلوقين رحمت واذا جالست العارفين نجحت واذا سالت الحكماء الربانيين تعلمت اعلم ان لكل شيء مفتاح ومفتاح العلم السؤال فان قدر المريد على ان يجالس اهل المعرفة فيقتبس من علمهم وتحقيق رمزهم ولطائف اشاراتهم فبخ بخ فان شرف العلماء الربانيين اكبر من ان يدركه احد غير الله لانهم احباء الله وامناء سره فليغتنم حرمتهم وليحرك خواطرهم بحسن السؤال فان امواج خواطر العارفين لا تفنى عجائبها وكفى بالمرء جهلا امساكه عن التعلم واستكفاؤه بما عنده قال ذو النون وصف لي رجل بالمغرب فارتحلت اليه فوقفت عنده اربعين صباحا فلم اجد وقتا اقتبس به من علمه شيئا لكمال شغله بربه ولم اترك الحرمة فيوما من الايام نظر الي فقال من اين المرتحل فاخبرته ببعض حالي قال لاي شيء جئت قلت لاقتبس من علمك قال اتق الله واستعن به وتوكل عليه فانه ولي حميد وسكت فقلت زدني رحمك الله فاني رجل غريب جئتك من بلد بعيد لاسالك عن اشياء اختجلت في ضميري فقال امتعلم ام عالم ام مناظر فقلت بل متعلم محتاج قال قف في درجة المتعلمين واحفظ الادب ولا تتعد فانك ان تعديت فسد عليك النفع العقلاء من العلماء والعارفون من الاصفياء الذين سلكوا سبيل الصدق وقطعوا اودية الحزن ذهبوا بخير الدارين قفلت رحمك الله متى يبلغ العبد الى ما وصفت قال اذا كان خارجا من الاسباب قلت ومتى يكون العبد كذلك قال اذا خرج من الحول والقوة قلت وما نهاية العارف قال ان يصير بالكلية كالمعدوم عند وجوده قلت ومتى يبلغ الى مهيمنة الصديقين قال اذا عرف نفسه قلت متى يعرف نفسه قال اذا صار مستغرقا في ابحر المنة وخرج من اودية الانانية وقام قدم ياسينية قلت ومتى يبلغ العبد الى ما وصفته قال اذا جلس على مركب الفردانية قلت وما مركب الفردانية قال القيام بصدق العبودية قلت وما صدق العبودية قال العمل لله تعالى والرضا بالقضا قلت اوصني قال اوصيك بالله قلت زدني قال حسبك قال عبد الواحد بن زيد رحمه الله رايت رجلا في بعض اسفاري وعليه ثوب من الشعر فسلمت عليه قلت رحمك الله اسالك مسالة قال اوجز فان الايام تمضي والانفاس تعد وتحصى والرب مطلع يسمع ويرى قلت ما راس التقوى قال الصبر نع اللع تعالى قلت ما راس الصبر قال التوكل على الله قلت وما راس التوكل قال الانقطاع الى الله قلت وما راس الانقطاع قال الانفراد لله قلت وما راس الانفراد قال التجريد عما دون الله قلت ما الذ الاشياء قال الانس بذكر الله قلت ما اطيب الاشياء قال العيش مع الله قلت ما اقرب الاشياء قال اللحوق بالله اي شيء اوجع للقلب قال فراق الله قلت ما همة العارف قال لقاء الله قلت ما علامة المحب قال حب ذكر الله قلت ما الانس بالله قال استقامة السر مع الله قلت ما راس التفويض قال التسليم لامر الله قلت وما راس التسليم قال ذكر السؤال عند الله قلت ما اعظم السرور قال حسن الظن بالله قلت من اعظم الناس قال من استغنى بالله قلت من اقوى الناس قال من استقوى بالله قلت من المغبون قال من رضي بغير الله قلت ما المروؤة قال ترك النزول بدون الله قلت متى يكون العبد مبعدا من الله قال اذا صار محجوبا عن الله قلت متى يكون العبد محجوبا عن الله قال اذا كان في قلبه هم غير الله قلت ومن الغمر قال من انفق عمره في غير طاعة الله قلت ما الزهد في الدنيا قال ترك كل شيء يشغل عن الله قلت من المقبل قال من اقبل على الله قلت ومن المدبر قال من ادبر عن الله قلت ما القلب السليم قال الذي لم يكن فيه سوى الله قلت اخبرني من اين تاكل قال من خزائن الله قلت ما تشتهي قال ما يقضي الله قلت اوصني قال اعمل بطاعة الله وارض بقضاء الله واستانس بذكر الله تكن من اصفياء الله قال ذو النون كنت في بعض سياحتي فاذا بشيخ وفي وجهه سيما العارفين قلت رحمك الله ما الطريق اليه قال لو عرفته لوجدت الطريق اليه قلت اوهل يعبده من لا يعرفه قال اوهل يعصيه من يعرفه قلت اليس آدم عصاه مع كمال معرفته قال فنسي ولم نجد له عزما) ثم قال يا هذا دع الاختلاف والخلاف قلت اليس في اختلاف العلماء رحمة قال نعم الا في تجريد التوحيد قلت وما تجريد التوحيد قال فقدان رؤية ما سواه لوحدانيته قلت وهل يكون العارف مسرورا قال وهل يكون العارف محزونا قلت اليس من عرف الله طال همه قال بل من عرف الله زال همه قلت وهل تغير الدنيا قلوب العارفين قال وهل تغير العقبى قلوبهم قلت اليس من عرف الله صار مستوحشا من الخلق قال معاذ الله ان يكون العارف مستوحشا ولكن يكون مهاجرا ومتجردا قلت وهل عرفه احد قال وهل جهله احد قلت وهل يتاسف العارف على شيء غير الله قال اوهل يعرف غير الله يتاسف عليه وهل يشتاق العارف الى ربه قال اوهل يكون غائبا عن العارف حتى يشتاق اليه قلت وما اسم الله الاعظم قال ان تقول الله قلت كثيرا ما قلت ولم يداخلني الهيبة قال لانك تقول من حيث انت لا من حيث هو قلت عظني قال حسبك من المواعظ علمك بانه يراك فقمت من عنده وقلت ما تامر قال كفى باطلاعه عليك في جميع احوالك سئل يحي بن معاذ الرزي ما علامة القلب الصحيح قال الذي هو من هموم الدنيا مستريح قيل وما القوت قال ذكر حي لا يموت قيل وما صدق الارادة قال ترك ما عليه العادة قيل وما الشوق قال ملاحظة ما فوق قيل متى يتم امر العبد قال اذا سكن مع الله بلا هم قيل وما علامة المريد قال ان لا يشتغل بالعبيد قيل وما راس الهدى قال صدق التقى قيل وما اللذة قال الموافقة قيل ومن الغريب قال الذي ليس له من حبه نصيب قيل ومتى يبلغ العبد الى ولاية مولاه قال اذا عزل عن قلبه كل من سواه قيل وما الراحة الكبرى قال التسليم للمولى قيل وما افضل الاعمال قال ذكر الله على كل حال قيل وما الفاقة العظمى قال دوام الانس بالمولى قيل وما حجاب القلوب قال الاستكفاء بالمربوب قيل وما العيش الجميل قال العيش مع الجليل قيل وما حقيقة الوفاء قال الصدق والصفاء قيل ومن المحبون قال العارفون قيل ومن العزيز قال من تعزز بالعزيز قيل ومن الشريف قال من انس باللطيف قيل ومن الغمر قال من ضيع العمر قيل ما الدنيا قال ما شغلك عن المولى نعم معدن المعرفة القلب فانها من تقوى القلوب) ومعدن المشاهدة الفؤاد ما كذب الفؤاد ما راى) ومعدن النور الصدر افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه) وما ازداد حبا لله تعالى الا ازداد حبا لرسوله صلى الله عليه وسلم ولاوليائه جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يحب القوم ولا يلحق بهم قال : المرء مع من احب) هذا الحديث الشريف ملزم بمحبة العارفين مبشر بالالحاق بهم اذا صحت المحبة وهل الدين الا الحب في الله والبغض في الله وان من سر الحب الخالص ان يرفع العارف الى مقام السر والنجوى في المحاضرة عند سواه اعلم ان العارف باسرار المريدين المتطلع على همم العارفين كلف العباد وفاء صدق العبودية ثم بين لهم تحقيق شرائطها كيلا يتجاوزوا حد العبودية الى حد الربوبية وحد الفقر الى حد الغنى وجعل لكل شيء سببا فجعل سبب المخرج من عبودية المخلوقين القيام بصدق العبودية قوله تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا) من عبودية من سواه ويرزقه) المؤانسة والمحبة والشوق اليه من حيث لا يحتسب) ومعنى آخر ومن يتق الله) بحفظ السر عن آفات الالتفات الى ما سواه يجعل له مخرجا) من حجب الابعاد ويرزقه) المشاهدة والوصلة من حيث لا يحتسب) ومعنى آخر ومن يتق الله) بحفظ السر عن آفات الالتفات الى ما سواه يجعل له مخرجا) من حجب الابعاد ويرزقه) المشاهدة والوصلة من حيث لا يحتسب) وكذلك جعل سبب معرفة العبد نفسه بشاهد من عرف نفسه اي بالعبودية عرف ربه بالربوبية ومن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء ومن عرف نفسه بالجفاء والخطا عرف ربه بالوفاء والعطاء ومن عرف نفسه بالافتقار قام لله على قدم الاضطرار ومن عرف نفسه لمولاه قلت حوائجه الى من سواه قال النبي صلى الله عليه وسلم : من عرف الله قام بحقه اي من عرف الله بالهداية سلم نفسه اليه ومن عرف الله بالربوبية قام له باشراط العبودية ومن عرف الله بالجزاء اوقع نفسه في العناء ومن عرف الله بالكفاية اكتفى به عن كل ما سواه روي ان الله تاعلى اوحى الى داود عليه السلام الا من عرفني ارادني وطلبني ومن طلبني وجدني ومن وجدني لم يختر علي حبيبا) من عرف الله احبه ومن احبه اطاعه ومن اطاعه قطع عن قلبه كل ما دونه ومن حرم المعرفة حرم حلاوة الطاعة ومن حرم حلاوة الطاعة حرم المؤانسة في الخلوة فلا يجد في المعاملة رؤية المنة ولا يعرف قدر الله على الحقيقة ويغلب في الاحوال فيسقط عن استقامة السر مع الحق ومن عرف الله وفي قلبه هم سوى الله لم يسجد سجدة خالصة لله ومن عرف الله ولم يستغن بالله فلا اغناه الله ومن قال الله وفي قلبه شيء سوى الله فلم يقل الله ومن خاف الله في كل شيء آمنه الله من كل شيء ومن انس بمولاه استوحش عن كل ما سواه ومن اعتز بذي العز عز ومن اعتز بغيره فلا فخر له ولا عز ومن انقطع عن الاسباب الشاغلة عن الله اتصل بالاسباب الشاغلة بالله ومن ترك عروة العلاقات صار مستانسا به في جميع الاوقات ومن ذاق حلاوة ذكر مولاه يجد الملالة عن ذكر ما سواه ومن كتم اسرار القلوب ظهرت له اسرار الغيوب ومن جعل الهموم هما واحدا كفاه الله الهموم ومن طلب رضا مولاه لا يبالي بسخط ما سواه ومن اكتفى بمقامه حجب عن امامه ومن كان الله قريبا كان مع غيره غريبا ومن اراد عز الدارين فلينقطع الى من له ملك الدارين ومن ترك حسن الرعاية زل عن سبيل الهداية ومن اراد ان يشرب من محبة الله شربة فليشرب من بغض غير الله جرعة ومن استانس بكل شيء استوحش من كل شيء ومن سكن قلبه الى شيء فليس من الله في شيء ومن اصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء قال الله تعالى : من ارادنا اردناه ومن اراد منا اعطيناه ومن احبنا احببناه ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا الا من طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني الا من طلبني بالتوبة وجدني بالمغفرة ومن طلبني بشكر النعمة وجدني بالزيادة ومن طلبني بالدعاء وجدني بالاجابة ومن طلبني بالتوكل وجدني بالكفاية ومن طلبني بالقربة وجدني بالمؤانسة ومن طلبني بالمحبة وجدني بالصلة ومن طلبني بالاشياق وجدني باللقاء والرؤية) ومن كان لله كان الله له اي من كان في امر الله كان الله في امره ومن كان في ذكر الله كان الله في ذكره ومن كان في حب الله كان الله في حبه ومن كان في مرضاة الله يكن الله في مرضاته (ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم) قال صلى الله عليه وسلم : من احب لقاء الله احب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ومن حكم العرفين : من ابتلي بمعاملة العبيد فليلبس لهم لباسا من حديد ومن رضي من الدنيا باليسير فقد استراح من شغل كثير ومن اصبح على الدنيا حريصا اصبح من الله بعيدا ومن هتك ستر التقى لم تستره السماوات العلى ومن نظر في عواقب الامور سلم من نوائب الدهور ومن لم يقنع بالقليل وقع غم طويل ومن سل سيف التقى ضرب به عنق الردى ومن كان مسرورا لم يزل مغرورا ومن لم يحفظ لسانه فسد عليه شانه ومن لم يعرف موضع ضره لم يعرف موضع نفعه ومن اعرض عن صحبة الفجار عوضه الله صحبة الابرار ومن اخذ عزا بغير حق اورثه الله ذلا بحق ومن ضيع ايام حرثه ندم ايام حصاده ومن توكل على غير الله يعذبه الله به ومن رضي بالله وكيلا صار بكل خير دليلا ووجد الى كل خير سبيلا ومن عرف حلاوة النجوى لا يجد مرارة البلوى (ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى) من عمل لآخرته كفاه الله امر دنياه ومن اصلح سريرته اصلح الله علانيته ومن اصلح ما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس اذا السر والاعلان في المؤمن استوى راى العز في الدارين واستوجب الثنا وان خالف الاعلان سرا فما له على فعله فضل سوى الكد والعنا من اعتز بالمولى فذاك جليل ومن رام عزا من سواه ذليل فلو ان نفسا من براها مليكها قضت وطرا في سجدة لقليل قال النبي صلى الله عليه وسلم : العمل بالنية وانما لامرىء ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها ا والى امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه) وهو نص عليه مدار الدين واحكام العلم والعرفان واليقين وبه عروج قلوب العارفين الى حضرة قدس رب العالمين خذ طارف السير بلا عائق لله لا تقصد سوى الله فكل ما املته قائم بهجرة القلب الى الله اهل الحجاب يتعجبون من كلام اولي الالباب وربما ينتهي التعجب بهم الى طرف من الانكار افمن هذا الحديث تعجبون) روي عن انس رضي الله عنه قال كان تحت الجدار الذي اخبر الله عنه بقوله : وكان تحته كنز لهما) لوح من ذهب والذهب مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجب لمن ايقن بالموت كيف يفرح وعجب لمن ايقن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن ايقن بالنار كيف يضحك وعجبت لمن ايقن بزوال الدنيا وتقلبها باهلها كيف يطمئن اليها لا اله الا الله محمد رسول الله قال وهب رخمه الله بينما كنت اسير في ارض الروم اذ سمعت صوتا من شاهق الجبل يقول الهي عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لسخطك برضا غيرك الهي عجبت لمن عرفك كيف يرجو غيرك فاتبعت الصوت فاذا انا بشيخ ساجد يقول سبحانك سبحانك عجبا للخليقة كيف يريدون بك بدلا سبحانك عجبا كيف يشتغلون بخدمة غيرك سبحانك عجبا للخليقة كيف يشتاقون الى غيرك سبحانك سبحانك كيف يتلذذون بغيرك وبشيء دونك فمضيت وما اشغلته عما رايت قال ابو يزيد رحمه الله عجب لاهل الجنة كيف يتلذذون بدونه ام كيف يستانسون بغيره وعجبت ممن يسكن الى حال دون ولي الاحوال والعجب لمن اقبل الى الخلق والحق يقول الي الي قال ابو عبد الله بن مقاتل رحمه الله عجبت لابن آدم اختاره الله لنفسه مع غناه عنه وهو يعرض عنه مع فقره اليه وعجبت لمن يشغل نفسه بشيء وهو يعلم انه قد فرغ عنه وعجبت ممن يامر غيره بما لا يفعله ويغضب على غيره بما يفعله وممن يكره ان يعصى وهو عاص وممن يحب ان يطاع وهو غير مطيع لربه وممن يلوم غيره على الظن ولا يذم نفسه على يقين قال حاتم الاصم رحمه الله عجبت ممن يستحي من الخلق كيف لا يستحي من الخالق ولمن يطلب رضا المربوبين كيف لا يطلب رضا الرب ولمن يحب اهل الطاعة وهو مقبل على المعصية ولمن يعرف جلال الله كيف يعرض عنه ولمن ياكل رزق ربه كيف يشكر غيره ولمن يشتري المملوك بماله كيف لا يشتري الاحرار بمعروفه وطيب كلامه
عجبت من رجل ليله قائم ونهاره صائم ويجتنب المحارم ولا تلقاه الا باكيا حزينا ورجل ليله نائم ونهاره لاعب ويرتكب المحارم ولا تلقاه ابدا الا ضاحكا مستبشرا عجبت ممن يتذلل للعبيد وهو يجد من سيده ما يريد وعجبت لمن كان قوته رفيفا يعصي ربا لطيفا وعجبت لمن يخاف على موت نفسه ولا يخاف على موت قلبه ولمن يخاف على فوات دنياه كيف لا يخاف على فوات دينه عجبت منك ومني افنيتني بك عني اذيتني منك حتى ظننت انك اني الهي ذكر الجنة موت وذكر النار موت فيا عجبا لنفس تحيا بين موتين اما الجنة فلا صبر عنها واما النار فلا صبر عليها ذكر الوصال موت وذكر الفراق موت كيف يحيا قلب بين موتين موت العارف عجيب لان العارف بين سرور المعرفة وخوف الفرقة فكيف الموت مع سرور المعرفة ام كيف الحياة مع خوف الفرقة عجبت لمن يقول ذكرت ربي وهل انى فاذكر من نسيت اموت اذا ذكرتك ثم احيا ولولا ماء وصلك ما حييت فاحيا بالمنى واموت شوقا فكم احيا عليك وكم اموت شربت الحب كاسا بعد كاس فما نفد الشراب وما رويت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انه سياتيكم بعدي اناس من الآفاق يسالونكم عن حديثي وعن السنة فاستوصوا بهم خيرا) اعلم ان معرفة النفس احد اصول العبودية وقل من يعرفها وعز وجود من يتمنى عرفانها وما خلق الله تعالى في الدارين سجنا اضيق على العارف ولا اوحش ولا انتن من النفس فمن عرفها على التحقيق وخالف امرها فكل ارض له ثغر وطرسوس ومن غفل عن معرفتها فهو في خطر عظيم ولا يسلم من شرها فان من لا يعرفها كيف يقوم بمخالفتها اني لأشتهي ان اموت ولو ساعة حتى اعرف نفسي واخالفها من عرف نفسه لا يتنفس نفسا الا بدوام جهدها وكثرة عبادتها ولا يغتر بصفاوة اوقاتها وحسن احوالها ولطائف انفاسها وصدق معاملتها لما من غوامض آفاتها ومكرها وسوء طبعها وكمال شرها واني تفكرت في جميع عمري ونظرت في شان نفسي فما رضيت في عمري من نفسي طرفة عين من لم يعرف نفسه فهو مغرور خالطت الناس سبعين سنة فما وجدت رجلا الا وهو راكب هواه حتى انه ان اخطا احب ان يخطىء الناس كلهم ولأن يضرب ظهري بالسياط احب الي من ان يقال اخطا فلان المسلم ما عرضت قولي على عملي الا وجدته مكذوبا اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي من نظر بعين المعرفة الى سلطان ربه فني عنه سلطان نفسه ومن نظر الى عظمة ربه صغرت عنده عظمة نفسه وقهرت تحت جلال هيبته وقال ابو يزيد يا ربي كيف الوصول اليك قال يا ابا يزيد دع نفسك وتعال حكي ان ابا يزيد البسطامي شيخي وسيدي وحبيبي قال نظرت في حال عبادتي فرايتها مختلطة ثم نظرت الى نفسي وتركيبها فاذا هي منسوبة الى كل بلاء ورايتها لا تخلو من الشرك وعلمت ان الله تعالى لا يقبل الشرك قلت لها يا ماوى كل شر الى كم يدعوك الله الى توحيده ولا تنظرين اليه فاشتد على قلبي غم هذا الشرك فعمدت واعددت لها كانون الصياغة ثم سعرت فيه نار الحق ووضعت فيه كير الليسية ونصبت سندان الوحدانية وظربتها بمطرقة الامر والنهي وطال بي العناء فلما نظرت اليها وجدتها مشركة فقلت انا لله وانا اليه راجعون انها لا تنظف بالجفاء فلعلها تنظف بالرفق واللين والمداراة فرددتها الى بستان ذكر المنة ووضعت بين يديها رياحين رؤية اللطف والكرامات وتروحت بمراوح التحنن والبر والاحسان وطال مني العناء فلما فتشتها وجدتها مشركة قلت لها يا مؤوى كل شر وبلاء لا تصلحي بالجفاء ولا بالرفق ثم رددتها الى قصار الاحذية ليضربها على حجر الفردانية ويغسلها بماء صفوة الصمدانية فلم يزل يضربها رجاء ان تنظف من الاشراك وطال مني العناء فلما نظرت اليها فاذا هي مشركة فقلت انا لله لعل صلاحها من وجه آخر ثم انزلتها بمنزلة امراة مستحاضة فلم ازل انظر اليها كالمتحير المضطر وانظر الى بلائها حتى آيست منها وعلمت ان لا يتاتى مرادي منها فطلقتها ثلاث تطليقات وتركتها وصرت وحدي الى ربي وناديته يا عزيزي ادعوك دعاء من لم يبق له غيرك بالعتق من عبودية ما سواك فلما علم الله تعالى صدق الدعاء مني والياس من نفسي كان اول اجابة الدعاء ان انساني نفسي بالكلية طوبى لعبد اطلعه الله على شر النفس وعرف اصل خلقتها وانواع عوارضها ومقتها ومالفها وقهرها وحقرها واتهمها ووضعها يا دنيا اخدمي من خدمني واستخدمي من خدمك ولا يصل العبد الى الله تعالى حتى يقطع مفاوز الدنيا وما فيها من زهراتها ولذاتها وشهواتها ويجاوز اودية الخلق وما منهم من جميل معاشرتهم وثنائهم ومحمدتهم وان الله تعالى خلق جميع ذلك ابتلاء لكل من اراد ان يصير مجردا حتى ان التفت الى شيء منها صار مفتضحا في دعواه وغرق في اودية الحسبان والخسران فكم مستدرج بالنعم محجوب عن الخالق غافل عن الصدق جاهل بعرفان النفس يصبح ويمسي على الحسبان فيبدو له من ذي العرش ما لم يكن يحتسب قال الله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) همم العارفين متصلة بمحبة الرحمن وقلوبهم ناظرة الى مواضع العز من العزيز لا راحة لهم في دار الدنيا دون الخروج منها وروي ان موسى عليه الصلاة والسلام كان يمر على شاطئ البحر فقال الهي قد اصطكت ركبتاي وانحنى ظهري حبيبي فما انت صانع بي فامر الله تعالى ضفدعا ان يجيبه فقال يا ابن عمران اتمن على ربك بعبادتك اياه وقد اصطفاك وكلمك وقربك وناجاك فوالذي خلقني وبراني اني على صخرة منذ ثلاث مئة وستين سنة اسبحه ليلا ونهارا لا افتر منها لحظة ومنذ ثلاثة ايام لم آكل وكل ساعة ترتعد فرائصي من هيبته وقال ابو سعيد بن ابي الخير كنت في البادية فنالني جوع شديد فطالبتني نفسي ان اسال الله طعاما فقلت ليس هذا من داب المتوكلين فطالبتني ان اساله اصطبارا فلما هممت به ثانيا سمعت هاتفا يقول ايجهل اننا منه قريب وانا لا نضيع من اتانا يريد ابو سعيد سؤال صبر كانا لا نراه ولا يرانا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل الجنة من امتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون اعلم ان من عرف الله حق معرفته تلاشت همته تحت سرور وحدانيته ولا شيء من العرش الى الثرى اعظم من سرور العارف بربه والجنة بكل ما فيها في جنب سروره بربه اصغر من خردلة لما علم انه اكبر من كل كبير واعظم من كل عظيم فمن وجده فاي شيء لا يجد وباي شيء يشتغل بعده وهل رؤية غيره الا من خساسة النفس ودناءة الهمة وقلة المعرفة به وهل يكون لباس اجمل من لباس الاسلام او تاج اجل من تاج المعرفة او بساط الطاعة قال ابراهيم بن ادهم الهي انك تعلم ان الجنة وما فيها لا تزن عندي جناح بعوضة بعدما وهبت لي معرفتك وآنستني بك وفرغتني للتفكر في عظمتك ووعدتني النظر الى وجهك ولو ادخله النار واحاط به العذاب لم يزدد قلبه الا حبا وانسا به وشوقا اليه قال بن سيرين لوخيرت بين الجنة وركعتين تخيرت الركعتين لان في الركعتين رضاء الله تعالى والقرب منه وفي الجنة هوى النفس ومحبة الناس لما القي الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام في النار وقالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم) قال حسبي ربي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير قال الله تعالى يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ان الله تعالى اوحي اليه يا ابراهيم انت خليلي وانا خليلك فلا تشغل قلبك بدوني فتنقطع الخاة بينك وبيني لان الصادق في دعوى خلتي من احرق بالنار لم يتحول قلبه عني الى غيري اجلالا لحرمتي وذكر الله تعالى ذلك في كتابه فعرف صدقه في التسليم حتى القي في النار الهي لا تدخلني في النار فانها تصير بردا علي من حبي لك انما يخاف النار من نسي مولاه فيقال لهم فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) انما الحاصل للمريد في الجنة من الجنة هو الرب تعالى وقربه ونظره واستماع كلامه كما يقال الجار ثم الدار رايت شابا في المسجد الحرام قد اثر فيه الضر والجوع فادركتني الرحمة عليه وكان معي مئة دينار في صرة فدنوت منه وقلت يا حبيبي اصرف هذا في بعض حوائجك فلم يلتفت الي فالححت عليه فقال يا شيخ هذه حالة لا ابيعها بالجنة وما فيها وهي دار الجلال ومعدن القرار والبقاء فكيف ابيعها بثمن بخس اتخذ الله جليسا وانيسا والزم خدمة مولاك تاتك الدنيا وهي راغمة وتطلبك الآخرة وهي عاشقة يا طالب الدنيا دع الدنيا تطلبك ويا طالب الآخرة اولم يكف بربك انه على كل شيء قدير فاضرب بالدنيا وجه عشاقها وبالآخرة وجه طلابها واستانس برب العالمين بلغ ابي بكر الصديق رضي الله عنه المنزلة فقال : وجدت الناس صنفين طالبا دنيا وطالب عقبى فكنت انا طالب المولى ومنذ دخلت في الاسلام ما شبعت من طعام الدنيا وما رويت من شراب الدنيا واذا استقبلني عملان عمل للدنيا والآخر للعقبى اخترت عمل الآخرة على عمل الدنيا وصحبت النبي عليه الصلاة والسلام فاحسنت صحبته فقال له علي هنيئا لك يا ابا بكر فاذكر الله تعالى واعلم ان الله تعالى اعلى درجة الذكر وعظم رتبته ورفع شانه وشرفه وفضله ثم قسمه على اللسان والاركان والجنان فينبغي ان يكون الذاكر على حذر ان يلتفت الى الذكر ويكون شريف الهمة والارادة لطيف الفطنة في الاشارة صحيح النية والارادة لا يريد بذكره غيره ولا يلتمس منه فراغه عنه الى ما دونه لان الوصول الى الكل تحت الرضا به عن غيره والحرمان من الكل تحت الاشتغال بغيره ويجب على الذاكر ان يذكره على غاية من التعظيم والحرمة لا على العادة والغفلة فيصير بذلك محجوبا عن المذكور عقوبة لترك التعظيم والحرمة لان حفظ الحرمة في الذكر خير من الذكر وما من عبد ذكره على التحقيق الا نسي في جنب ذكره ما سواه وكان الله له عوضا من كل شيء وربما يريد العارف ان يذكره فيهيج في سره امواج التعظيم والهيبة فيكل لسانه ويطير فؤاده من اجلال الوحدانية ثم يبدو له شعاع الشوق والمحبة من حجب القلب والإلفة فتنتهي همته الى سرادقات الألوهية وميادين الربوبية باذن الله فحينئذ يكشف له عما ستر عن غيره من عجائب غيبية ولطائف صنعه وكمال قدرته وانوار قدسه فعند ذلك يعرف العبد ان الله تعالى يفعل ما يشاء بمن يشاء لمن يشاء متى يشاء كيف يشاء بيده المن والعطاء والاراداة لا راد لفضله ولا معقب لحكمه فيشغل به ويصير فانيا تحت بقائه قال الله تعالى : من يذكرني ولا ينساني حركت قلبه لمحبتي حتى اذا تكلم تكلم لي واذا سكت سكت لي الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) الذكر اكبر من الجنة لان الذكر نصيب الله والجنة نصيب العبد وفي الذكر رضاء الله وفي الجنة رضاء العبيد وعن علي رضي الله عنه قال : ان الله تعالى يتجلى للذاكرين عند الذكر وتلاوة القرآن ولا يرونه لانه اعز من ان يرى واظهر من ان يخفى فتفردوا بالله سبحانه واستانسوا بذكره وما نزلت باحد نازلة الا وفي كتاب الله لها دليل من الهدى والبيان قال الله تعالى : اوليائي واحبائي تنعموا بذكري واستانسوا بي فاني نعم الرب لكم في الدنيا والآخرة لقمة من ذكر الله بصفاء اليقين على مائدة المعرفة بانامل حسن الظن بالله من جفنة الرضا عن الله سبحانه قال الله تعالى للخليل عليه الصلاة والسلام : اتدري لما اتخذتك خليلا قال لا قال لانك لا تغفل قلبك عني وعلى كل حال لا اراك تنساني لولا انك امرتنا بذكرك فمن كان يجترىء ان يذكرك اجلالا واعظاما لك سبحانك عجبا للذاكرين كيف تثبت قلوبهم في ابدانهم عند ذكر عظمتك قال الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام يا موسى اني لم اقبل صلاة ولاذكرا الا ممن يتواضع لعظمتي ويلزم قلبه خوفي ويقطع عمره بذكري يا موسى ان مثله في الناس كمثل الفردوس في الجنان لا يتغير طعمها ولا ييبس ورقها فاجعل له عند الخوف امنا وعند الظلمة نورا واجيبه قبل ان يدعوني واعطيه قبل ان يسالني من شغله ذكري عن مسالتي اعطيته افضل مما اعطي سائلي وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : طوبى لمن ذكر الله ولم يذكر الا الله وطوبى لمن يخشى الله ولم يخشى الا الله وروي ان يعقوب عليه الصلاة والسلام لما قال يا اسفي على يوسف) اوحى الله تعالى اليه الى متى تذكر يوسف ايوسف خلقك او رزقك او اعطاك النبوة فبعزتي لو كنت ذكرتني واشتغلت بي عن ذكر غيري لفرجت عنك من ساعتك فعلم يعقوب انه مخطىء في ذكره ليوسف فامسك لسانه عن ذكره فما اوحش الساعة التي لا اذكرك فيها وقال موسى عليه الصلاة والسلام : الهي اقريب انت فاناجيك ام بعيد فاناديك فقال الله تعالى : انا جليس لمن ذكرني وقريب ممن انس بي اقرب اليه من حبل الوريد فيكون ذكر الله للعبد صافيا اذا كان به عارفا وممن دونه متبرئا فذكر الله طعام الروح والثناء عليه شرلب الروح والحياء منه لباس الروح وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكره وما تنعم المتنعمون بمثل انسه وان الخلائق صاحوا من ابليس وان ابليس صاح من الذاكرين فما من مؤمن الا وعلى قلبه شيطان اذا ذكر الله خنس واذا نسي الله وسوس ذكر الله شفاء لا يضر معه دواء فاجعل ذكر الله قبلة همك واضاءة مسجد فكرتك واعلم ان حقيقة الاستئناس بذكر الحبيب هو نسيان غيره فمن شغله ذكر الله تعالى فني عن ذكر ما سواه وصار مدهوشا تحت لطائف صنعه وتلاشت كليته تحت جمال حسن عنايته واستغرق في بحار ذكر امتنانه للناس عيدان معدودان في سنة وللمريد جميع العصر اعياد فالذكر عادته والحمد راحته والقلب في ملكوت الرب اواد قال عليه الصلاة والسلام : ان حسبك ان تصوم من كل شهر ثلاثة ايام الحسنة بعشر امثالها فكانك قد صمت الدهر كله) اسراره : البشارة بتواصل نور الاعمال بنور الاعمال من دون انقطاع وان تباعدت الاوقات ومضاعفة ثواب العمل لهذه الامة لتنشط قلوبهم لعمل الخير الامر بعدم التكلف الذي يفضي بالعبد الى السام والملل ولزوم التذكر حتى لا تطم القلب الغفلة والايمان القطعي بوعد الله وحسن كرمه وكل هذه الخصال خصال العارفين الذين انقطعوا عن كل الهموم الدنيوية والاخروية وصار همهم ربهم ومن كان همه ربه فلا هم له الهي ان عرفتك فانت الذي قد هديتني وان طلبتك فانت الذي اردتني وان اجبتك فانت الذي اخترتني وان اطعتك فانت الذي وفقتني وان انبت اليك فانت الذي آويتني وان الله تعالى لا يكل العرفين الى انفسهم ولا الى طاعتهم ولا الى ذكرهم بفضله ورحمته بل يكلؤهم باكاليل شفقته ويمطر عليهم امطار رحمته من سحائب فضله وعنايته يا رب كيف لي ان اؤدي شكر نعمتك ولك علي في كل شعرة نعمتان فقال الله تعالى يا موسى اذا عرفت انك عاجز عن شكري فقد شكرتني اذكر من كان ذكره لك قبل ذكرك وحبه قبل حبك وما ذكرته الا بذكره لك وما احببته الا بحبه لك ومن نسي ذكر الله تعالى كان مستدرجا واعلم ان ادنى اوصاف العارف عيش القلب مع الله بلا علاقة وذلك من ذكر الله اياه وقليل من يرى منتي عليه عند شكره لي الهي كيف استطاع آدم ان يشكر نعمتك عليه اذ خلقته بيديك ونفخت فيه من روحك واسكنته جنتك وامرت الملائكة فسجدوا له فقال الله تعالى يا موسى علم آدم ان ذلك مني فحمدني عليه فمن اطاعه فبتوفيقه اطاعه فله المنة ومن عصاه فبمقدوره عصاه فله الحجة عليه فقد سبق فضله لمن اطاعه قبل طاعته وقد سبق عدله لمن عصاه قبل معصيته اياه لانه الفعال لما يريد النسيان امتنان الله عليكم وحسن عنايته التي سبقت منه لكم فمن نسي المنة وجحد النعمة قلبت له النعمة نقمة ان الله تعالى اعطاك المعرفة ووفقك لطاعته من غير احسان سبق منك ومن غير شفاعة كانت لاجلك فينبغي ان تشتغل بذكره وخدمته من غير طالب عوض ومكافاة منه فاهل الذكر اصناف مختلفة فمنهم من يذكر على جهة منة الاسلام ومنهم على جهة السنة والجماعة ومنهم من يذكره على جهة منة ذكره حتى يصير قلبه والها ولسانه كليلا وعقله هائما ويصير في عظمته مبهوتا ويتيه في كرمه ويدهش في محبته لما علم ان الاعمال لا تقوم الا به ذكر يتولد منه الخوف والخشية وذكر يتولد منه الشوق والمحبة فاما ما ينتج الخوف والخشية فهو ذكر من يذكر الله مع نفسه ويرى ذكر الله له سبب ذكر الله تعالى ويعلم انه يذكر الله يصل الى ذكره اياه والآخر فهو الذكر الذي تذكر الله له في الازل حيث لم يكن موجودا الى ان يصير في الدنيا مفقودا ثم الى الابد فوجد ذكر الله له سابقا ازليا خالدا ابديا وذكره مكدرا بالشهوات ممزوجا بالغفلات فشتان بين من يدخل على الله برؤية ذكره وبين من يدخل على الله برؤية فضله ومنته واعلم ان ذكر العبد لله تعالى في اضافة ذكر الله تعالى للعبد كالغبار تحت الامطار بذكرك تحيي يا مؤملي وذكرك لي من قبل ذكري اكبر مننت بطول لا اقوم بشكره فاي اياديك الجزيلة اشكر قال عليه الصلاة والسلام : من صلى اثنتي عشرة ركعة تطوعا كل يوم غير الفريضة بنى الله له بيتا في الجنة هذا الحديث من المقربات الى الله تعالى وزاد العرفين وشان المتجردين لجنابه اعلم انه من تجرد بسره عن الكل وتفرد بسر السر الفرد كشف له الغطاء واستبانت له البراهين عند مشاهدة نور الحق سبحانه وهنالك يسقيه الله بكاس محبته حتى يسكره به عن غيره ويزيل عنه التعب والنصب ويصير سكوته ذكرا وانفاسه تسبيحا وكلامه تقديسا ونومه صلاة ولا يزال العبد يركب بسره مركب المعرفة حتى يتصل بالمعروف بقي معه الى الابد من غير ان يلتفت منه الى ما سواه واعلم ان مثل القلب كالقصر والمعرفة فيه كالسلطان والعقل امير على الاركان له تبع واعوان واللسان كالترجمان والسر من خزائن الرحمن ولا بد لكل واحد منها من الاستقامة في مواضعه ودوران كلها على استقامة السر مع الحق فاذا استقام السر استقامت المعرفة فيستقيم العقل واذا استقام العقل استقام القلب واذا استقام القلب استقامت النفس واذا استقامت النفس استقامت الاحوال فالسر منور بنور الخشية والافكار والنفس منورة بنور الرياضة والانزجار فالسر بحر من بحور العطايا وامواج الهمة فيه لا يحصى عددها ولا ينقطع مددها وان استقامة السر مع الحق هي الدوام على بساط المشاهدة مع فقد رؤية الاستقامة واعلم ان صراط استقامة السر ادق من صراط الآخرة والمرور على جسرها اصعب من المرور على جسر الآخرة وان عالم الاسرار غيور لا يحب ان يكون في قلب العبد حب او ذكر لغيره قال الله تعالى : اذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بي جعلت لذته وهمته في محبتي ورفعت الحجاب فيما بيني وبينه قال سري السقطي سندي : افضل ما يتقرب به العبد الى الله سبحانه ان يطلع الله على قلبك وانت لا تريد من الدارين غيره قال بن ادهم : غاية همتي ومرادي من الله تعالى ان يجعل لي الميل اليه فلا ارى شيئا دونه ولا اشتغل باحد سواه ثم لا ابالي الى التراب صيرني ام الى العدم رجعني ووجدت الخلة بانقطاعي الى ربي واختياري اياه على ما سواه وباني ما اكلت قط الا مع الضيف الهي همتي ومرادي في الدنيا من الدنيا ذكرك وفي الآخرة من الآخرة رؤيتك ثم افعل بينهما ما شئت قال ابو يزيد البسطامي : رفعت السر الى مواصلة الحق فطار باجنحة المعرفة بنور الفطنة في هواء الوحدانية فاستقبلته النفس وقالت اين تذهب انا نفسك لا بد لك مني فلم يلتفت السر اليها ثم استقبلته الخلق وقالوا اين تذهب نحن رفقاؤك وندماؤك ولا بد لك منا ومن معاونتنا اياك فلم يلتفت اليهم ثم استقبلته الجنة بكل ما فيها وقالت اين تذهب فاني لك ولا بد لك مني فلم يلتفت اليها ثم استقبلته العطايا والمواهب والكرامات كذلك حتى جاوز المملكة وبلغ سرادقات الفردانية وجاوز الكلية والانانية حتى وصل الى الحق وهو مطلوب قال موسى عليه الصلاة والسلام : يا رب عجبت ممن يجدك ثم يرجع عنك فقال الله تعالى : يا موسى ان من وجدني لا يرجع عني وما رجع من رجع الا عن الطريق قال البسطامي : ليس لاسم الله حد محدود ولكنه فراغ قلبك لوحدانيته وترك الالتفات منه الى غيره فاذا كنت كذلك فخذ اي اسم شئت تسير به من المشرق الى المغرب في ساعة ثم تجيء من قام على طاعة الله بغير علاقة سقاه الله شربة من عين محبته وبلغه الى مقعد صدق قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون والسنة بسر قد تناجي تدق عن الكرام الكاتبينا واجنحة تطير بغير ريش فتاوي عند رب العالمين فترعى في رياض القدس طورا وتشرب من بحار المرسلينا عباد قاصدون اليه حتى دنوا منه وصاروا واصلينا قال عليه الصلاة والسلام : صنائع المعروف تقي مصارع السوء وان الصدقة السر تطفىء غضب الرب وان صلة الرحم تزيد العمر وتنفي الفقر) فكم من طاعة حجبت صاحبها عن المطاع وكم من نعمة قطعت صاحبها من المنعم ورب نائم رزق الانتباه بعد رقدته ومنتبه نام بعد طول الانتباه ورب فاجر رزق الولاية وبلغ منازل الابرار وزاهد سقط عن ولايته وسلك مسالك الفجار وكم من عامل قد حجبته رؤية اعماله عن رؤية امتنان ربه حتى عمي بصره فصار مبعدا وهو يحسب انه واصل ولا مصيبة اشد على العارف من الحجاب ولو طرفة عين واعظم عقوبة على العبد من الله البعد والحجاب الهي الى كم اعصيك ولا تعاقبني فقال له الى كم اعاقبك وانت لا تدري الم احجبك عن لطائف انسي الم اخرج عن قلبك حلاوة مناجاتي رجل جعل الله قلبه بصيرا ينظر بنور اليقين الى لطائف صنعه وكمال قدرته ورجل جعل الله عقله بصيرا ينظر بنور الفطنة الى الوعد والوعيد ورجل جعل الله سره بصيرا ينظر في كل الاوقات بنور المعرفة الى الله تعالى ورجل جعله الله مكفوفا لا يبصر شيئا فهو مظهر قوله تعالى : ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا) واعلم ان الكفار محجوبون بظلمة الضلالة عن انوار التقوى واهل الطاعة محجوبون بظلمة رؤية الطاعة عن انوار رؤية التوفيق وعناية المولى فاذا رفع الله عنهم هذه الحجب نظروا باعين النور الى النور فعند ذلك يحجبون عن غيره به فكل من نظر الى حركاته وافعاله في طاعة الله صار محجوبا عن وليها مفلسا ومن نظر الى وليها صار محجوبا به عن رؤيتها لانه اذا راى عجزه عن تحقيقها واتمامها صار مستغرقا في امتنانه وربما يحجب برؤية العبادة عن وجدان حلاوتها وربما يحجب برؤية وجدان الحلاوة عن صحة الارادة وربما يحجب برؤية المنة عن المنان سبحانه من راى نفسه عند الطاعة لم يتخلص من العجب ومن راى الخلق لم يتخلص من الرياء ومن راى الطاعة لم يتخلص من الغرور ومن راى الثواب لم يتخلص من الحجاب ومن راى الرب تعالى فذلك في مقعد صدق عند مليك مقتدر كفاك من المعرفة ان تعلم ان الله مطلع عليك وكفاك من العبادة ان تعلم ان الله مستغن عنك وكفاك من المحبة ان تعلم ان حبه سابق على حبك وكفاك من الذكر ان تعلم ان ذكره متقدم على ذكرك قال عليه الصلاة والسلام : لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا وكونوا اخوانا كما امركم الله تعالى) هذا الحديث يضمن من اسرار المعرفة بالله العجائب فانه امر بالتخلي عن صفة الابليسية وهي الحسد ثم بالتجرد من الصفة النفسانية وهي البغض لغير الله تعالى ثم بالترفع عن الصفة السافلة الهوائية وهي التجسس ثم بعد ان اكمل درجات التنقية امر برؤية عدم الفرقية بين المرء وبين اخوانه وان هذامن امر الله تعالى واذا كملت للعبد هذه الخصال فقد احكم شان المعرفة بالله ومن هذا السر قول سيدنا علي كرم الله وجهه من عرف نفسه فقد عرف ربه اعلم ان العبد بين الله وخلقه ان التفت منه الى الخلق تجرد عن الحق وصار متروكا محروما مخذولا وان التفت الى الله عن الخلق قربه الله وادناه واوصله الى قربه فان الله تعالى اذا احب عبدا غار عليه قدر قربه منه وحبه له ولم يحتمل منه الالتفات الىشيء سواه فانه ان نظر الى شيء دونه عذبه الله بذلك الشيء وجعله وبالا عليه اما ترى ان ابليس لعنه الله نظر الى نفسه وقال انا خير منه) فلعنه وطرده وكذلك نظر فرعون الى ملكه وقال اليس لي ملك مصر) قغرقه وقارون نظر الى ماله وقال انما اوتيته على علم عندي) فخسف الله به وبداره الارض وكذلك الملائكة نظروا الى تسبيحهم وتقديسهم حيث قالوا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فابتلاهم الله تعالى بالسجدة لآدم وكذلك كل من قال انا يقول الله تعالى لا بل انا ثم يرده الى اسفل السافلين وكل من يقول انت الله يرفعه الى اعلى عليين يجب ترك الالتفات الى ما سواه والالتفات على وجهين التفات العين والتفات القلب كان بعض العارفين يطوف حول الكعبة فناداه واحد فخطر بباله ان يلتفت اليه فسمع هاتفا يقول ليس منا من التفت الى غيرنا وآخر كان يطوف فنظر الى امراة فظهرت يد من الهواء وفقات عينه ثم نودي نظرت بعينك الى دوننا ففقاناها ولو نظرت الى غيرنا لكويناه قال سقطي كنت في طلب صديق لي ثلاثين سنة فلم اظفر به فمررت يوما في بعض الجبال فاذا هو قائم على صخرة فدنوت منه واخذت ذيله فقال خل عني يا سري فان الحق غيور فلا يراك تانس بغيره فتسقط من عينه ورابعة كانت في طريقها الى مكة فاقبل اليها رجل وقال يا هذا كلي بكلك مشغول فقالت ان كنت صادقا فكلي لكلك مبذول الا ان لي اختا احسن مني وهي وراءك فالتفت الرجل فلطمته رابعة على وحهه وقالت اليك عني يا بطال ادعيت محبتنا ثم نظرت الى غيرنا رايتك من بعيد فقلت وجدت عارفا فلما تكلمت قلت وجدت عاشقا فلما جربتك وجدتك كذابا ما رايت معك صفاوة الغارفين ومروءتهم ولا طريقة العاشقين وصيانتهم فصاح الرجل وجعل التراب على راسه وقال ادعيت محبة مخلوق فاعرضت عنه جاءت اللطمة على وجهي فاخاف ان ادعي محبة الخالق فاذا اعرضت قلبي اخاف ان تكون اللطمة على قلبي واما الالتفات بالقلب فقد حكي لفتح الموصلي صبي فيوما من الايام عانقه وقبله فنودي من الهواء يا فتح ادعيت محبتنا وفي قلبك حب غيرنا فصاح صيحة خر مغشيا عليه وحكي ان داود عليه الصلاة والسلام استقبله رجل في بعض سياحته فقال اين تريد قال استوحشت عن الناس واستانست بالله فقال له الرجل هذا من قبلك او من قبل الله فسقط داود مغشيا عليه ثم افاق وقال نبهني الله كما نبهتني يا حبيب القلوب من لي سواكا ارحم اليوم مذنبا قد اتاك يا حبيبي وصفوتي ورجائي كذب القلب ا ناحب سواك يا انيسي ومنيتي ومرادي طال شوقي متى يكون لقاك ليس سؤالي من الجنان نعيم غير اني اريدها لاراك اعلم ان الله تعالى ربما يزين اعداءه بلباس اوليائه واصفيائه حتى انهم يغترون بصفاء الاوقات ويحسبون انهم من اهل ولايته فهذا استدراج وربما يزينهم بالعز والجاه والرياسة والمنزلة عند الناس حتى يغترون بثناء الناس ومحمدتهم ويحسبون من اهل فضله فهذا استدراج وكذلك ربما يزينهم بانواع لطائف الحكمة فيغترون بحسن بلاغتهم وكمال فهمهم وفطنتهم ويحسبون انهم احاطوا بكل حقيقة علما فهذا استدراج وربما يزينهم بلباس النعمة ويغرقهم في انواع النعم فيغترون بحسن تجملهم وطيب عيشهم ويحسبون انهم على شيء من الله فهذا استدراج سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) فهذا ما كدر عيش المريدين في دار الدنيا حتى دام كمدهم واصفرت الوانهم وذابت نفوسهم ودهشت عقولهم وطارت افئدتهم واشقت مراراتهم وفقدوا من الخلائق ويحذركم الله نفسه)واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه) قال صل الله عليه وسلم : المؤمن لا يسكن اضطرابه ولا تامن روعته حتى يخلف جسر جهنم الا ان الله تعالى عيب مكره في حلمه وخداعه في لطفه وعدله في كرمه وخذلانه في انواع نعمه وسخطه في جميل ستره وقطيعته في امهاله فينبغي للعبد الا يعتمد على حسن اوقاته وكثرة حسناته فكم من احد تراه في زي المريدين وهو في علم الله من المطرودين ولا يشعر ان الله تعالى يزين عدوه بلباس اولياءه ثم يرده آخر الامر الى بعده وربما يكسو وليه لباس الاعداء ثم يرده آخر الامر الى حقائق كرمه لانه يبدئ ويعيد) يبدئ على اوليائه صفات اعدائه وعلى اعدائه صفات اوليائه ثم يعيدهم الى حقائق معلومة وهو فعال لما يريد باظهار فضله في اهل عدله واظهار عدله في اهل فضله الا ترى ان الله تاعلى زين ابليس بزينة عصمته وهو في سابق علمه من اهل اللعنة ستر عليه ما سبق منه اليه حتى اظهر امره في العاقبة وكذلك زين بلعام بانوار ولايته وهو عند الله تعالى من اهل سخطه واغرق قارون في بحار نعمته وهو عند الله تعالى من اهل سخطه لا يغرنك بالله اظهاره لك ما لم تعلم وستره عليك بما علمت وزيادته لك فيما لم تشكره واعطاؤه اياك ما لم تساله فانه ربما اراد الله تنبيها لك او استدراجا كم من مذكر لله ناسي الله وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من داع الى الله بعيد من الله وكم من تال كتاب الله منسلخ من آيات الله فرؤية القرب في القرب اقرب البعد ورؤية الانس في الانس اعظم الوحشة ورؤية الذكر في الذكر اشد النسيان ورؤية المعرفة في المعرفة اكبر النكرة المعرفة مستقر ومستودع مستقر في قلوب الاولياء ومستودع في قلوب الاعداء ثم يسلب في آخر الامر فليس للموقف ان يعتمد على توفيقه ويامن من مكره ولا للمخذول ان ييئس من روح ربه وربما يرى الرجل للرجل الرؤيا الصالحة وهو استدراج واصل الاستدراج نسيان الحق والاستغناء بمن دونه والتعلق بما سواه والالتفات منه الى غيره وليس على تحقيق في المعرفة من يغتر بكثرة العلم والعمل لان ابليس كان معلم الملائكة ثم في آخر الامر نظر الى نفسه وعبادته وترك امرا من اوامر الله فصار من الملعونين المطرودين ابد الآبدين واياك ان تغتر بعمارة الاوقات وصفاء الاحوال ولا تغتر بصحبة الصالحين والزهاد بغير الحرمة والمتابعة لهم فالصحبة لو نفعت لنفعت امراة نوح وامراة لوط لان الاغترار مدرجة من مدارج الاستدراج واعلم ان قلوب اهل المحبة لا تزال تموج من خوف الاستدراج كما تموج البحار حتى يصير كل ما فيه بالله لله قال عليه الصلاة والسلام : الا ان اواني الله في الارض هي القلوب فاحب الاواني الى الله تعالى اصفاها واصلبها وارقها) لما اشتغل قلب مريم بحب ابنها سمعت صوتا يقول لما كان سرك صافيا لنا كنا نرزقك في الشتاء والصيف من غير واسطة ولاشدة ولا عناء فلما ميلت سرك عني فلا ياتيك رزقك الا بشدة وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) ما اشتغل احد بغيره الا ضاع عمره وذهبت عنه صفاوة الوقت فمن اراد صفاوة الوقت فليؤثر الله على شهوته ان وجدت رينا في قلبك فادم الصيام فان وجدت رينا فاقل الكلام فان وجدت رينا فاترك الآثام فان وجدت رينا فاكثر البكاء والتضرع الى الملك العلام الجهل كله موت الا من يرزقه الله العلم والعلم كله حجة الا من وفقه الله للعمل به والعمل كله هباء منثور الا يكون صافيا لله واهل الصفاء على خطر عظيم الا ان يسلموا ذلك الى الله تعالى بلا عيب ويجب على العبد ان ينظر في حال اكله وشربه ولباسه وكلامه وحركاته وارادته فيدع منها ما كدر ولياخذ ما صفا لان صفاوة الاوقات على قدر صفاوة الاحوال ان لله عبادا يبلغون في درجة الصفاء مقاما تقع فراستهم على سر الناس فيعرفون السعداء من الاشقياء يختص برحمته من يشاء) من عباده اهل الصفا من ستر جميع المعاصي بستر التوبة وستر جميع الخيرات بذكر ستر المنة وستر ما دون الله بستر الله تعالى ادنى اوصاف اهل الصفاء عيش القلب مع الله بلا علاقة ومن لم يعرف نفسه بالفقر والفاقة والعجز والضعف لم ينل صفوة اليقين واذا كان العبد لله تعالى كان لم يكن يكن الله تعالى له كما لم يزل وقال معروف الكرخي رضي الله عنه بينما انا اسير في البادية لم يكن معي احد من البشر اذ نزل شخص من السماء فسالني ما الصفاء فقلت صدق الوفاء فقال صدقت ثم عرج وهو يقول يوفون بالنذر ويخافون) اما ترى ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام وضع قدما واحدا بصدق الوفاء على صخرة صماء فامر الله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) وحقيقة الصفاء التخلق بخلق المصطفى عليه الصلاة والسلام والاقتداء باصحابه اولي الصدق والوفاء والانقطاع الى الملك الاعلى وهي طرح القلب على بساط الامتنان واستقامة السر مع الملك الديان وهي تصفية القلوب لعلام الغيوب وهي صدق الافتقار مع دوام الاضطرار وترك الاختيار مع حسن الانتظار وهي فناء الكلية تحت كمال القدرة وطيران الهمة باجنحة الشوق نحو رب العزة وهي هجرة السر الى الله من المراتب والدرجات والفرار الى الله من المنازل والمقامات وهي مجانبة دواعي النفس ومتابعة دواعي الروح واخماد صفات البشرية تحت صفات الربوبية اذا نظرت في الناس الذين ادعوا التصوف اليوم رايت ان اكثرهم من الزنادقة والحرورية والمبتدعة ورايتهم اكثر الناس جهلا وحمقا واشدهم مكرا وخديعة واعظمهم عجبا وتطاولا واسواهم ظنا باهل الزهد والتقوى واهل الصدق والصفاء علامة الصوفي ان يصفو في اقواله وافعاله وحركاته من ادناس آفات النفس والخلق والدنيا وتصفو خواطره من غبار الاعراض عنه تعالى والنظر منه الى من سواه وان يكون مع النفس لا نفس ومع الخلق لا خلق ومع القلب بلا قلب ومع الحال بلا حال ومع الوقت بلا وقت ويكون مستقيما مستغنيا به عن غيره قلبه مضروب بسياط خوف القطيعة والهجران وسره مضروب بسياط خشية البعد والحرمان نفسه منورة بنور الخدمة وقلبه منور بنور المحبة وسره منور بنور المعرفة وان يكون فؤاده طائرا باجنحة الشوق واركانه مستقيمة على طريق الحق بالحق للحق مع حسن الانتظار وعلى غاية الانكسار مقبلا بالكلية على مليكه مع ترك الالتفات منه الى ملكه مع الفرار من المخلوقين لشدة وجدانه حلاوة الانس برب العالمين رجوعه الى الحق واعتماده على الحق وقراره مع الحق من غير ان يلتفت منه الى الخلق وحشي القلب سماوي الحديث رباني العلم فرداني الهمة روحاني العيش نوراني القدر وحداني المعنى جميع ارادته تحت ارادة المعبود شاكرا لله في السر والاعلان كي لا يقع في ابحر الكفران ذاكرا لله بالقلب واللسان في كل وقت واوان كيلا يتيه في مفاوز النسيان يعلم ان المولى يراه ومن فوق العلى يرعاه فهو فان تحت عظمة نظره متلاش بكليته تحت كمال قدرته مستغرق صفاء اوقاته في ابحر امتنانه مع سقوط كل حلاوة غير حلاوة محبة ربه مستقيم على صدق العبودية من غير رؤية العبودية فارغ القلب عن الشغل بغير الله مع الاتكال بالقلب على الله متواضع لاهل الايمان قائم على بساط الاحزان حتى ياتيه اليقين بالعفو والرضوان لسانه مثل قلبه يصدق في جميع اقواله وافعاله شاكر لقليل النعمة صابر على كثير الشدة راض بقضاء رب العزة دائم على احتراس القلب لله بالحجة لا يخاف دون الله ولا يرجو غير الله ولا يريد الا الله لما علم انه لا مضر ولا نافع ولا رافع ولا دافع ولا معز ولا مذل الا الله وحده لا شريك له متابع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم واخلاقه ومذاهب اصحابه خائف من سوء العاقبة مشتغل بالمقدر اذا اشتغل الناس بالتقدير وبالمدبر اذا اشتغلوا بالتدبير جالس على بساط الخدمة مع الحياء متكئ على سرير الفقر والفاقة مشرف على غرف القرب والمشاهدة شارب بكاس الانس والمحبة يطيل صمته ويكظم غليظه ويغلب شهوته ويفارق راحته من غير ان يلتفت الى معاملة قلبه فارغ من مصالح نفسه تارك لجميع راحاته وشهواته خائف من الوحشة بينه وبين حبيبه يكون احسن الناس للناس واتقاهم واصدق الناس واصفاهم واعقل الناس وارعاهم ينظر الى الدنيا بعين الاعتبار والى النفس بعين الاحتقار والى الآخرة بعين الاستبشار والى الرب بعين الافتخار في الاستقامة كالجبل الراسي لا تحركه الرياح الهائجة لا يطلب ما ليس له ولا يهتم بما قسم له فارغ عن خدمة المخلوقين مشتغل بخدمة رب العالمين لا يعرض عنه ببلواه ولا يختار حبيبا سواه نفسه طاهرة من كل حول وقوة بدون الله سبحانه لا يرضى طعامه طعام المرضى وبكاؤه بكاء الثكلى لا يتوكل قلبه الا عليه ولا يسلم الا اليه ولا يشكر النعمة الا له ولا يطلب الحاجة الا منه مستانس بالله في جميع الاحوال منقطع اليه في جميع الاعمال وذكر الله حديثه في جميع المقال تارك اختياره الى ذي الجلال نومه قليل وحزنه طويل وبدنه نحيل وانيسه الملك الجليل حسبنا الله ونعم الوكيل اعلم ان قلوب اهل المعرفة خزائن الله في ارضه يضع فيها ودائع سره ولطائف حكمته وحقائق محبته وانوار علمه وآيات معرفته التي لا يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا احد دون الله بغير اذنه سبحانه فان العبد في معاملة القلب مقصرا وفي معاملة الاركان موفرا حكم على توفير احكامه بتقصير قلبه وان كان في معاملة القلب موفرا وفي معاملة الاركان مقصرا حكم على تقصير اركانه بتوفير قلبه ومر موسى عليه السلام برجل ساجد على صخرة منذ ثلاث مئة سنة كان يبكي ودموعه تجري على الاودية فوقف عليه وبكى لبكائه وقال يا الهي اما ترحم عبدك فقال الله تعالى لا ارحمه قال ولم يا الهي قال لان قلبه يستريح الى غيري وكان له جبة يستتر بها من الحر والبرد لا يستقيم عمل العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه فقلب المؤمن مضغة جوفانية حشوها جوهرة ربانية حولها روضة فردانية تحتها ساحة نورانية والله تاعلى ناظر اليها في كل لحظة بالرحمة والشفقة ويحول بينها وبين ما يشغله عنه فمعاملة القلوب امر شديد والثبات عليها اشد واصعب ومعاملة القلوب على عشر مدارج هي : اولها الخطرات ثم حديث النفس ثم الهم ثم الفكر ثم الارادة ثم الرضا ثم الاختيار ثم النية ثم العزيمة ثم القصد حتى يبلغ الى عمل الظاهر فمن قام لله تعالى فحفظ معاملة القلب عند الخطرات فهو على مدارج الصديقين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند حديث النفس فهو على مدارج المقربين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند الهم فهو على مدارج الاوابين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند الفكرة فهو على مدارج المخلصين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند الارادة فهو على مدارج المريدين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند الاختيار فهو على مدارج المتقين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند النية فهو على مدارج الزاهدين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند العزم فهو على مدارج المنيبين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب عند القصد فهو على مدارج المجتهدين ومن قام لله فحفظ معاملة القلب على عمل الظاهر فهو على مدارج العابدين من عامة الموحدين لان تردد قلبك الى الله تعالى ذرة خير لك من جميع ما طلعت عليه الشمس وما من احد صفا قلبه من ادناس الشهوات وطهره من غبار الغفلات ونقاء من كدورات الغوايات الا اطلعه الله على غاية الغايات فالقلب السليم قلب منقطع من علائق الدنيا مملوء من حب المولى لا يشكو من الشدائد والبلوى ولا يهتك استار الصيانة والتقوى من لم يكن بينه وبين الله معاملة سرية كان مسيئا وان كان محسنا ومن لا يرى ان الكونين بما فيهما بسير قدرته وسريع لحظته لم ينل معاملة القلب واعلم ان نعاملة القلب هي تجديد السر مع الانفراد به وملاحظة القلب على دوام حفظ الاوقات مع صدق الحال من غير التفات منه الى الوقت والحال ان لله تعالى عبادا تطير قلوبهم الى الله اشتياقا لا يدركها البرق الخاطف وقال طه عليه الصلاة والسلام : ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بحق وقر في قلبه) ان الله تعالى لا يرد القليل لقلته ولا يقبل الكثير لكثرته ولكن انما يتقبل الله من المتقين ليس على مقام الصدق من تعلق قلبه بالمقام ولكن الصادق من تعلق قلبه برب المقام مجردا حتى لا يرى مع الله غير الله احدا اذا صارت المعاملة الى القلوب استراحت الابدان لا تكون معاملة القلب الا لمن كان له قلب صاف ليس بساه صحيح ليس بجريح بصير ليس بضرير فريد ليس بطريد طالب ليس بهارب قريب ليس بغريب عاقل ليس بغافل سماوي ليس بارضي عرشي ليس بوحشي قرات القرآن سنين بالخوف فلم اجد القلب ثم قراته بالرجاء فلم اجد القلب ثم قراته بتجريد القلب عن كل ما دون الله تعالى فعند ذلك وجدته ورايت عند وجوده الولاية الكبرى والعزة العظمى والمراتب العليا قال الله تعالى : القلوب بيدي والحب في خزائني فلولا حبي لعبدي ما قدر العبد ان يحبني ولولا ذكري له في الازل ما قدر ان يذكرني ولولا ارادتي اياه في القدم ما قدر العبد ان يريدني عارفا راى رجلا يدور حول المسجد يطلب موضعا يصلي فيه فقال له خل قلبك عما دون الله وصل في اي موضع شئت بقدر اقبالك على الله يكون قرب القلب منه وما طلع الله على قلب عبد فراى فيه غيره الا عذبه الله به ووكله اليه فالقلب اذا وضعته عند الدنيا خاب ةاذا وضعته عند العقبى ذاب واذا وضعته عند المولى طاب الدنيا خراب واخرب منها قلب من يعمرها والآخرة دار عمران واعمر منها قلب من يطلبها مفاوز الدنيا تقطع بالاقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب خراب النفس من عمارة القلب وعمارة النفس من خراب القلب ما بك لا تتكلم فقال قلبي يتكلم مع مقلب القلوب قال عليه الصلاة والسلام : المرء مع من احب) اي قلب يطير في الدنيا حول الشهوات وقلب يطير في العقبى حول الكرامات وقلب يطير في سدرة المنتهى حول الانس والمناجات وقلب معلق بالدنيا وقلب معلق بالمولى وقلب حريق وحريق وغريق وسحيق ومنتظر للعطاء ومنتظر للرضا وللقا ومشروح وجروح ومطروح ومنيب وسليم ومنير وقال عليه الصلاة والسلام : اللهم اني اعوذ بك من الجبن واعوذ بك من البخل واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر واعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر) والرضا هو السكون القلب الى الحكيم وترك الاختيار مع التسليم ولا شيء اشد على النفس من الرضا بالقضا لان الرضا بالقضا يكون على خلاف رضا النفس وهواها فطوبى لعبد آثر رضا الله تعالى على رضا نفسه وري ان موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول في مناجاته الهي خصصتني بالكلام ولم تكلم بشرا قبلي فدلني على عمل انال به رضاك فقال الله تعالى : يا موسى رضائي عنك رضاك بقضائي وري ان جبريل عليه الصلاة والسلام هبط الى الارض فراى رجلا عليه اثر السكينة فقال يا رب ما احسن هذا الرجل فقال الله تعالى : يا جبريل انظر اسمه في اللوح في اسماء اهل النار فقال الهي ما هذا فقال يا جبريل اني لا اسال عما افعل وانه لا يبلغ احد من خلقي علمي الا بما شئت فقال جبريل يا رب اتاذن لي ان اخبره بما رايت قال لك الاذن فهبط جبريل واخبره بحاله فخر الرجل ساجدا وقال لك الحمد يا مولاي على قضائك وقدرك حمدا يعلو حمد الحامدين ويزيد على شكر الشاكرين فما زال يحمد الله تعالى حتى ظن جبريل انه لم يسمع ما قال فقال يا عبد الله وهل سمعت ما قلت لك قال نعم اخبرتني انك وجدت اسمي بين اسماء اهل النار في اللوح المحفوظ قال فما هذا الحمد والشكر قال سبحان الله يا جبريل ان الله قد قضى مع كمال علمه وسعة رحمته وحلمه ولطائف ربوبيته وحقائق حكمته فمن انا حتى لا ارضى تبارك الله ربي ثم خر ساجدا واخذ في التسبيح والتحميد فرجع جبريل الى الله فقال الله تعالى ارجع الى اللوح المحفوظ وانظر ماذا ترى فرجع فاذا اسمه في اسماء اهل الجنة فقال يا جبريل هو ما ترى اني لا اسال عما افعل فقال جبريل ائذن لي حتى اخبره بما رايت فقال لك الاذن فهبط جبريل فاخبره بما راى قال لك الحمد يا سيدي ومولاي على قضائك وقدرك حمدا يعلو حمد الحامدين ويزيد على شكر الشاكرين فرجع جبريل متعجبا من كمال رضاه عن الله بكل ما حكم له وفي القضاء قضاء النعمة فعلى العبد فيه الرضا والشكر وقضاء الشدة فعلى العبد فيه الرضا والصبر وقضاعة الطاعة فعلى العبد فيه الرضا وذكر المنة والقيام بالواجب الى الموت وقضاء المعصية فعلى العبد فيه الرضا عن الله بالتوبة والقضاء ليل مظلم وبحر عميق وسر الله الاعظم فمن رضي به فله الرضا ومن سخط فله السخط وري انه لما وضع المنشار على راس زكريا عليه الصلاة والسلام هم ان يستغيث بالله تعالى فاوحى الله اليه يا زكريا اما ان ترضى بحكمي لك واما اخرب الارض واهلك من عليها فسكت حتى قطع الى نصفين وحكي ان رابعة مرضت فقيل لها اما ندعو لك طبيبا فقالت من قضى علي قالوا الله تعالى قالت لو مثلي من يرد قضاء سيده ومرض ابو بكر الصديف رضي الله عنه فقيل له اما ندعو لك طبيبا فقال قد رآني قيل وما قال اني فعال لما اريد شكا نبي بعض ما ناله من المكروه فاوحى الله اليه كم تشكوني ولست اهل ذم ولا شكوى فهكذا بدء شانك في علمي فلم تسخط افتح بان اعيد الدنيا من اجلك وابدل اللوح المحفوظ بسببك فاقضي ما يسرك كما تريد لا كما اريد ويكون ما تحب دون ما احب فبعزتي حلفت لئن تلجلج هذا في صدرك مرة اخرى لاسلبنك ثوب النبوة ولاوردنك النار ولا ابالي فليس العجب ممن ابتلي فصبر انما العجب ممن ابتلي فرضي ا ناول ما كتب الله سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ لا اله الا الله محمد رسول الله من استلم لقضائي وصبر على بلائي وشكر نعمائي كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصدقين ومن لم يرضى بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليختر ربا سوائي قال رب العزة سبحانه وتعالى : كلمة لا اله الا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني امن من عذابي اعلم ان الخلق باسرهم فقراء محتاجون الى الله تعالى اسراء تحت مشيئته ضعفاء تحت علمه وقدرته لا يملكون لانفسهم ولا لغيرهم نفعا ولا ضرا ولا ذلا ولا عزا ولا موتا ولا حياة منصوبون بين سهام النعمة والرخاء موقوفون بين القطيعة والشقاء مستورة عنهم خواتيمهم لهم الخوف والرجاء والفقر والدعاء والتضرع والبكاء يقول الله تعالى : ما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بمخلوق دوني الا قطعت اسباب السماء من يديه ووكلته الى نفسه وما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بي دون خلقي الا اعطيته قبل ان يسالني واستجت له قبل ان يدعوني وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاعي فوق خلقي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني فاعلم ذلك من قلبه الا قطعت عنه الاسباب ثم لا ابلي في اي واد اهلكته واملا قلبه شغلا وحرصا واملا لا يبلغه ابدا من اعتصم بالله واستعان به احوج الله اليه الناس وانطقه بالحكمة وجعله من ملوك الدارين ومن اعتصم بمخلوق دونه ووكل اليه قلبه عذبه وقطع عنه اسباب الدنيا والآخرة تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم واقبلوا الى الله بقلوبكم واعتصموا به في جميع اموركم لان العبد اذا اقبل الى الله بقلبه اقبل الله بقلوب العباد اليه ومن يعتصم بالله كفاه الله كل مؤنة ما يتعبد المتعبدون ولا يتقرب المتقربون بشيء ابلغ عندي من الاعتصام والتسليم وري ان الله تعالى قال لموسى عليه الصلاة والسلام : ا=هب الى فرعون انه طغى فقال با رب اهلي وغنمي قال الله تعالى : اذا وجدتني فاي شيء تصنع بغيري يا موسى اذهب واعتصم واستسلم لي وفوض الامور الي فاني جعلت الذئب راعيا لغنمك والملائكة حافظين لاهلك يا موسى من انجاك من اليم حين القتك امك فيه ومن ردك الى امك بعده ومن انجاك من عدوك فرعون حين قتلت نفسا ومن انجاك من المفازة حين فررت من فرعون وهو يقول في ذلك كله انت انت واعلم ان من اعتصم بغيره او بشيء دونه فهو مخذول خارج من حد العبودية لان حد العبودية ترك الاختيار الى الجبار
 وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا ومن يتوكل على الله فهو حسبه فالعبودية هي الاعتصام بالله في كل شيء والرضا عن الله في كل شيء والرجوع اليه في كل شيء والفقر الى الله في كل شيء والانابة الى الله في كل شيء والصبر مع الله في كل شيء والانقطاع الى الله في كل شيء والاستقامة بالله في كل شيء والتفويض الى الله في كل شيء والتسليم له في كل شيء بالكلية الى السلام بالسلامة بلا تخليط والاستسلام ويستسلم راضيا بجميع ما ينزل عليه منه قال عليه الصلاة والسلام بعدما تورمت قدماه وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر وهو السيد الاعظم والكنز المطلسم وهو سر الموجودات وسبب الموجودات والبرزخ الوسط بين الخلق والخالق فقال افلا اكون عبدا شكورا فامحق كلك في اليوم والليلة الف مرة وانت بعدها مقصر قال الله تعالى : عبدي بي وجدتني وبي وقع بيني وبينك عقد المحبة وبي صرت من اهل خدمتي وبي تعرفني وبي تذكرني وتثني علي وبي تتلذذ بذكري وبي قصدت صحبتي وبي قدرت ان تنظر في الآخرة الى وجهي عبدي نفسك لي وروحك لي وقلبك لي وكليتك لي فان اعطيتني الكل اعطيتك الكل وكنت لك مع الكل ((من الذي دعاني فقطعت رجاءه ومن قرع بابي فلم يفتح له انا الذي جعلت آمال خلقي بي متصلة وعندي مدخرة ما لعبدي يعرض عني وانا اقول الي انا محل الآمال انا الذي جعلت طيران قلوب المشتاقين نحوي وجعلتها في الارض مواضع نظري واطلقتها الي حتى تزداد شوقا الي وقربا مني بشر اوليائي واحبائي باني كل ساعة اريهم كرامتي ولطائف صنعي وحسن امتناني عليهم حتى لا ينسوني ولا يميلوا الى غيري وشوقتهم الي حتى لا يصبروا عني وفتحت لهم ابواب انسي واستجبت لهم قبل ان يدعوني واعطيتهم قبل ان يسالوني فوعزتي وجلالي لاقعدنهم في الفردوس ولامكننهم من رؤيتي حتى ارضى عنهم ويرضوا عني اخبر اهل الارض باني حبيب لمن احبني وجليس لمن جالسني ومؤنس لمن انس بي وصاحب لمن صاحبني ومطيع لمن اطاعني ومختار لمن اختارني وقل لعبادي هلموا الى مصاحبتي ومؤانستي وسارعوا الى محبتي وقربي اني خلقت طينة احبائي من طينة ابراهيم خليلي ويحي زكيي ومحمد حبيبي يا داود هل رايت حبيبا يبخل على حبيبه الا ان طال شوق الابرار الى لقائي فاني اليهم لاشد شوقا الا من طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني اذا كان الغالب على عبدي الاشتياق الي والاشتغال لي جعلت راحته ولذته في ذكري وعشقته ورفعت الحجاب بيني وبينه احبه ويحبني حتى لا يغفل اذا غفل الناس ولا يسهو اذا سها الناس ولا يلهو اذا لها الناس اولئك الابرار حقا ان طلبتني وجدتني وكفيتك الاسباب ولم اطالبك بالحقوق وان طلبت غيري شغلتك بالاسباب وطالبتك بالحقوق اني جعلت محبتي لمن لا ينساني بلسانه وقلبه فانه لا شيء انقص عندي من الغفلة والنسيان ان رضيت عني رضيت عنك وان افردتني بالحاجة افردتك بالانجاح وان شكرتني صيرتك ملكا في الدارين ومن لم يصبر على بلائنا لا يفزع الينا اني اذا احببت عبدا من عبيدي ملات قلبه خوفا مني وتشوقا الى لقائي وحرصا على طاعتي واوليائي في قبابي لا يعرفهم الا اوليائي فطوبى لاوليائي وطوبى لاحبائي اني لا انسى من ينساني فكيف انسى من يذكرني اني اجود على من يبخل علي فكيف ابخل على من يجود بي اني احب من يبغضني فكيف ابغض من يحبني بشر عبادي السائلين باني بهم رؤوف رحيم كل حبيب يحب خلوة حبيبه وانا مطلع على قلوب احبائي قل للمتلذذين بذكري هل وجدتم ربا ابر مني من اطاعني وهو يحبني اسكنه جنتي واريه وجهي ومن عصاني ولم يحبني ادخله ناري واحل عليه سخطي وعزتي وجلالي لا يجاورني الا من طلب جواري كذب من ادعى محبتي واذا جن عليه الليل نام عني من عرفني ارادني ومن ارادني طلبني ومن طلبني وجدني ومن وجدني لا يختار علي حبيبا سواي من طلبني قتلته ومن احبني ابتليته ومن هرب مني احرقته بشر المذنبين باني غفور وانذر الصديقين باني غيور من لقيني وهو يخافني لم اعذبه بناري ومن لقيني وهو يحبني لم احزنه بفراقي ومن لقيني وهو متسخ مني لم اخجله يوم يلقاني جنتي لمن لم يقنط من رحمتي وغضبي عمن اخطا خطيئة فاستعظمها في جنب عفوي ولو عاجلت احد بالعقوبة اذن عاجلت القانطين من رحمتي وما العجلة من شاني فها انا مطلع على قلوب احبائي اذا جن الليل جعلت ابصاهم في قلوبهم فخاطبوني على المشافهة وكلموني على الحضور لولا اني ربطت احبائي في ابدانهم لخرجت الارواح من ابدانهم شوقا الى لقائي ان من عبادي عبادا جعلتهم للخير اهلا وجعلت لهم المؤانسة نصيبا طوبى لهم وحسن مآب واني قضيت على نفسي ان لا يحبني عبد من عبادي اعلم ذلك من قلبه الا كنت سمعه وبصره ولسانه وابغض اليه كل شيء وامنعه شهوات الدنيا ولذاتها وطيب عيشها واطلع عليه في كل يوم سبعين الف مرة وازيد له كل ساعة لذائذ حبي وحلاوة انسي واملا قلبه نورا مني حتى ينظر الي كل ساعة فامسح براسه واضع يدي على الم قلبه حتى لا يشكو منه وانا اسمع خفقان قلبه من الشوق الى لقائي والخوف من قطيعتي وهو يقول حقيق علي ان لا يسكن قلبي حتى اصل اليك يا ربي وكيف يسكن قلب المشتاق وانا غاية منيته ومنتهى امله وهو كل ساعة يتقرب الي واتقرب اليه واسمع كلامه واعلم اسفه واحب صوته فوعزتي وجلالي لانقبنه يوم القيامة منقبا يغبطه الاولون والآخرون ثم آمر مناديا ينادي من تحت عرشي هذا حكيم بن ابراهيم ولي الله وصفيه دعاه الله ليقر عينه ثم آمر برفع الحجاب حتى ينظر حبيبي الي واقول السلام عليك عبدي ووليي ابشرك اذا كان الغالب على قلب عبدي الاشتغال والانس بي رفعت الحجاب بيني وبينه في الباطن حتى كانه ينظر الي وعزتي وجلالي لاقطعن امل كل مؤمل غيري بالاياس يؤمل عبدي غيري والخير كله بيدي من الذي املني فقطعت عنه امله ومن الذي رجاني فخيبت رجاءه ومن الذي قرع بابي بالدعاء فلم افتح له عبدي تنعم بذكري فاني نعم الحبيب لك في الدنيا والآخرة عبدي ستذكرني اذا جربت غيري باني لك خير من كل ما سواه عبدي اما استحييت مني ان اعرضت وجهك عني وتقبل على غيري عبدي الى اين تذهب وطريق الوسيلة الي لا الى غيري عبدي اين من دعاني فلم اجبه واين من سالني فلم اعطه عبدي بابي لك مفتوح وعطائي لك مبذول وانا ارحم الراحمين يا موسى حقت محبتي للمتحابين من اجلي وحقت محبتي للمتواصلين من اجلي وحقت محبتي للمتزاورين من اجلي يا موسى ان ذكرتني ذكرتك وان رضيت عني رضيت عنك وان كنت لي فردا كنت لك الفرد وان لم ترد علي حكمي واليتك واصطفيتك وقربت مقعدك مني يا موسى اذا خفت فخفني حتى اؤمنك واذا احببت فاحبني حتى احبك واحببك الى قلوب الصالحين واذا نظرت فانظر الي حتى انظر اليك من فوق عرشي يا اوليائي طالما لحظتكم ورايتكم في دار دنيا وقد غارت اعينكم وقلصت شفاهكم وخفت بطونكم كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية) اوليائي واحبائي جزائي لكم افضل البذل وفضلي لكم اوفر الفضل ومعاملتي اياكم احسن المعاملة ومطالبتي اياكم اشد المطالبة انا مؤنس القلوب وانا علام الغيوب فصفة المريدين ان يكونوا مع الناس بابدانهم وقلوبهم تحت العرش كانهم يرون ربهم فوق عرشه ويستحيون ان يسالوه شيئا سواه مرض داود الطائي رضي الله عنه وهو في جوف بيته فقيل له لو خرجت الى صحن الدار حتى تهب عليك ريح الهواء قال اني لاستحي من الله ان يراني وانا طالب الراحة لنفسي في الدنيا فراس التقوى ان تحفظ نفسك من الشهوات وحلقك من اللذات وقلبك من الغفلات اخذ آدم بلقمة وموسى بلطمة وداود بنظرة ويوسف بهمة ونوحا بدعوة ومحمدا بخطرة لا ينبغي لمن تزين بلباس الورع والتقوى ان ينظر الى زهرات الدنيا ويتكلم بما لا يعنيه قال جعفر الازدي بلت في اصل حائط فهتف بي هاتف تدعي التقوى وتبول في اصل حائط غيرك حرام على كل قلب فيه حب الدنيا ان تسكن فيه التقوى واعلم ان بكاء العين لاهل المعرفة المنيبين وبكاء القلب لاهل المعرفة المريدين وبكاء السر لاهل المعرفة المحبين وهنا بكاء الحياء كآدم وبكاء الخطيئة كاداود وبكاء الخوف كايحي وبكاء الفقدان كايعقوب وبكاء الشوق كاشعيب اللهم ارحم انقطاعي اليك واعراضي عن سواك وغربتي في بلادك ووحشتي بين عبادك ووقوفي بين يديك الهي قد استانست بك قلوب المحبين واستراحت اليك قلوب العارفين فلا تقطع منك آمال المشتاقين يا نفس تريدين ان تجاوري الجبار وتشاهدي المختار باي شهوة تركتيها باي بعيد قربتيه الى الله باي ولي احببتيه لله باي غيظ كظمتيه لله قال النور المطلسم عليه الصلاة والسلام : من ادى حديثا الى امتي لتقام به سنة او لتثلم به بدعة فله الجنة) اعلم ان حبيب القلوب سبحانه اذا احب عبدا اطلع سره على جلال قدرته وحرك قلبه بمراوح ذكر منته وسقاه شربة من كاس محبته حتى يسكره به عن غيره وجعله من اهل انسه وقربه وصحبته حتى لا يبصر عن ذكر ربه ولا يختار احدا عليه ولا يشغل بشيء دون امره فمنزلة الحب اقدم من منزلة الخوف فمن ارادها فليحسن الظن بالله وليعظم حرمته اذا احب الله عبدا من عباده نادى جبريل عليه الصلاة والسلام يا اهل السماء والارض يا معشر اولياء الله واصفيائه ان الله تعالى يحب حكيم فاحبوه كل عمل لم يكن فيه محبة الله لم يقبل من احب الله ابتلاه بالمحن فمن التفت منه الى ما سواه صار محجوبا عنه وسقط عن بساط اهل المحبة قال الله تعالى : ان طلبتموني انسيتكم بنفسي عن غيري وافنيتكم بي عن انفسكم حتى لا ترون شيئا دوني وقيل قرع واحد باب محبوبه فقال من داخل الباب من انت قال انا انت فقال يا انا ادخل عجبت منك ومني افنيتني بك عني ادنيتني منك حتى ظننت انك اني) قال عليه الصلاة والسلام : اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك واجعل حبك احب الاشياء الي ان كنت تزعم حبي فلم هجرت كتابي اما تدبرت ما فيه من لطيف عتابي محبة العام فمحو القلب عن حب الذنوب والمعاصي والخاص محو القلب عن حب الدنيا واهلها وخاص الخاص محو القلب عن حب ما دون الله تعالى ليس بصادق في حبه من لم يحفظ حدوده ولم يعظم حرمته ولم يعرف منته فالمحبة اذا دخلت القلب تلاشت النفس بكل ما فيها عن صفات الانسانية تحت سلطانها فاحترقت ما في القلب من غير الله بنيرانها ان المحب نهاره مستوحش بين العباد يسير كالمتفرد فالعين منه قريرة بحبيبه يرجو لقاء الواحد المتوحد يا حسن موكبهم اذا ما اقبلوا نحو الاله مع النبي محمد قال عليه الصلاة والسلام : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا حتى تحابوا الا اخبركم بشيء اذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) اعلم ان الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار الدنيا وجعلها دار المحنة ومحل الاخطار والاشرار ثم خلط فيها الابرار والفجار واهل المحبة باهل البطالة ثم يقلبهم من حال النعمة الى حال الشدة ومن حال الشدة الى حال النعمة لاظهار من يعبده على بساط المحنة ممن يعبده على بساط النعمة ومن يعبده على رؤية المعطي وممن يعبده على رؤية العطاء لان الذهب ليجرب بالنار والعبد الصالح ليجرب بالبلاء لان منزلة الشكر افضل من منزلة الصبر والشاكر يعبده على حظ نفسه والصابر يعبده على حب ربه اني اذا احببت عبدا جعلته للبلاء غرضا والبسته جلباب الفقر ان عبادي المخلصين كانوا اذا سلكوا طريق الشدة والبلاء فرحوا واستبشروا ويقولون الآن يتعهدنا ربنا حتى يكون الآنين من وجدان اللذة لا من وجدان الشدة وحكي ان صالحا اصابته الحمى فصلى الف ركعة شكرا لله وقال امثلي يذكره الله من فوق عرشه وعلم ان لي ذنبا فاراد طهارتي ((وفي الدعاء تقول : يا خير مؤنس وانيس يا خير صاحب وجليس طوبى لمن اكتفى منك بك اللهم لبيك لبيك يا حبيب القلوب لبيك يا سرور القلوب لبيك لبيك يا منى القلوب لبيك اللهم آليت بك عليك ان تصرفني بك عنك ولا تحجبني بك عنك الهي لو دعوتني الى النار لاجبتك وافتخرت بك فكيف وقد دعوتني الى نفسك الهي ان قربتني منك فمن الذي يبعدني وان اعززتني بك فمن الذي يذلني وان رفعتني اليك فمن الذي يضعني الهي من ارهب وانت مولاي ولمن ارجو وانت مناي وبمن استانس وانت جليسي فيك عليك ان تتفضل باتمام فضلك يا نعم المولى ونعم النصير الهي سري عندك مكشوف وانا اليك ملهوف وانت بالجود معروف وبالكرم موصوف الهي انت انيس المستانسين من احبائك وماوى المرهوبين من اصفيائك وجليس الملهوفين من اوليائك الهي ما اطيب معرفتك في قلوب العارفين وما احلى ذكرك في افواه الذاكرين وما احلى مودتك في اسرار المحبين الهي انت الذي لا تبطل امل الآملين لا يخفى عليك احوال المريدين ولا يخيب لديك رجاء المنيبين الهي انت سروري اذا نظرت منك اليك وانت حسبي اذا استكفيت بك منك وانت انيسي اذا نزلت منك بك اللهم ارحم انقطاعي اليك وانفرادي بك ووحشتي عمن سواك فيا خير مؤنس وانيس يا خير صاحب وجليس كن دليلي منك واليك الهي اجعل اجل العطايا في قلبي حياءك واعذب الكلام على لساني ثناءك واحب الساعات الي ساعة يكون فيها لقاؤك الهي ما اوحش قلبا فيه ذكرك وما اخرب قلبا ليس فيه خوفك وما اقل سرورا ليس فيه حبك الهي لا صبر لي في الدنيا عن ذكرك فكيف اصبر في الآخرة عن رؤيتك الهي اشكو اليك غربتي في بلادك ووحشتي بين عبادك الهي ما لمرادنا غيرك ولا لبغيتنا دونك وما لحاجتنا سواك الهي هذه لذائذ المناجاة فكيف لذائذ الملاقاة الهي هذا شكري وشكر شكري الهي هذا سروري وسرور سروري الهي هذا ودي وود ودي الهي انس بك اوحشني من خلقك ومعرفتي بك تمنعني عن مناجاة غيرك الهي كيف اشغل لساني بذكر غيرك ام كيف اشغل بصري برؤية غيرك ام كيف اشغل قلبي بحب سواك وانا لا اعرف غيرك الهي على من اثني وانت وليي ومن ارجو وانت مناي يا خير معروف ومذكور اعززتني بولاية معرفتك فلا تذلني يا سيدي بعدها بمن سواك الهي عجبت ممن يعرفك كيف لا يستغني عمن سواك الهي عجبت ممن انس بك كيف لا يستوحش عن غيرك الهي عجبت لمن ارادك كيف يريد سواك الهي هذا سروري بك في دار الفناء فكيف سروري بك في دار البقاء الهي هذا سروري بك في قراطق الخدمة فكيف سروري بك في غلائل النعمة الهي هذه لذائذ المحبة فكيف لذائذ الرؤية الهي هذه لذائذ المؤانسة فكيف لذائذ الزيارة الهي من لم يكن مسرورا بك فمن اي شيء يكون له سرور الهي سقيتني بكاس الحب حتى اسكرتني فالحب يقتلني والشوق يحرقني الهي اريتني حبك فارني وصلك الهي طال بك حسن ظني على ان لا تردني خائبا فلا تخيب ظني بك يا معروفا بالمعروف الهي ليس لي عنك صبر ولا فيك حيلة ولا منك بد ولا عنك مهرب ولا مع سواك انس الهي احييتني بمعرفتك فلا تمتني بنكرتك الهي اريتني وصالك فلا تريني فراقك الهي ان لم تفعل ما نريد فصبرنا على ما تريد الهي فرغ قلبي لذكر عظمتك واطلق لساني بوصف منتك وقوني على شكر نعمتك الهي ارحمني فانا عاجز عند النصب جاهل بالسبب حيران في الطلب الهي جعلت سبب ما تعطي رجاءك وسبب ما يجمع بين اوليائك تاليفك بين قلوبهم الهي فاعطني المرجو كما وهبت الرجاء واجمع بيني وبين اوليائك كما الفت بين القلوب الهي كيف يفتقر من انت حظه ام كيف يستوحش من انت انيسه ام كيف يذل من انت حبيبه ام كيف يحزن من انت نصيبه الهي همك ابطل عني الهموم وحبك حال بيني وبين الرقاد وشوقي اليك منعني اللذات وانسي بك اوحشني عمن سواك الهي انت توالي من يعاديك فكيف تعادي من يواليك الهي معرفتي بك دليلي عليك وحبي لك وسيلتي اليك الهي عرف المحبون كمال ربوبيتك والمذنبون صنيعك وكمال قدرتك فاستسلموا وانقادوا لك الهي اجعلني ممن لا يتخذ دونك خليلا ولا يلتمس الى سواك سبيلا ولا يرجو من غيرك فتيلا الهي لا تجعلني ممن صرفت عنه وجهك وحجبت عنه عفوك واغلقت عليه بابك وقطعت عنه اسباب عصمتك ووكلته الى نفسه انك على كل شيء قدير اليك جئنا وانت جئت بنا وليس شيء سواك يحيينا منك طلبنا وانت تملكنا وليس شيء سواك يؤتينا قال عليه الصلاة والسلام : نظر الولد الى والديه عبادة قال ابا هريرة لرفيقه اين تذهب فقال اشتري شيئا لاهلي فقال ان قدرت تشتري الموت لي فافعل فانه طال شوقي الى ربي وان الموت احب الي من شرب الماء البارد للعطشان واحلى من العسل ثم بكى بكاء شديدا وقال واشوقاه الى من يراني ولا اراه قال اويس القرني : كيف اصبحت قال كيف يصبح من اذا اصبح لا يشتهي ان يمسي واذا امسى لا يشتهي ان يصبح وطال شوقي الى منى قلبي ابنتان عارفتان فخرجتا الى الحج فلما اعينهما على البيت قالت احداهما يا هذه اهذا بيت ربي قالت نعم صاحت صيحة وماتت واما الاخرى قالت الهي اشكو من نفسي اليك وقد طال شوقي اليك آه آه آه تقولها حتى ماتت ما من ساعة يكون العبد اقرب الى الله من حين يخر ساجدا وما من خصلة في العبد احب الى الله من الشوق الى لقائه
قال عليه الصلاة والسلام : التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) يجيء الملك للمؤمن على اطيب ريح واحسن صورته فيقول المؤمن له مرحبا لاي امر جئت فيقول له لقبض روحك على اي حال تحب ان اقبض روحك فيقول اذا كنت في السجود فيفعل ذلك ملك الموت فياتيه حافظاه ويقول احدهما لصاحبه كان لنا صاحبا واخا قد حان له الفراق فيقولان له جزاك الله خيرا وغفر لك فنعم الاخ كنت لقد كنت ايسر مؤمن ونعم ما قدمت لنفسك بالروح والراحة وتقول روحه لجسده جزاك الله عني خيرا كنت تحب الخير واهله وتبغض الشر واهله استودعك الله لما توفي ابو عبد الله غسلناه وكفناه ودفناه فهتف بنا هاتف من السماء الحمد لله الذي اوصل الحبيب الى الحبيب راضيا مرضيا فرايته في المنام يتبختر في حظيرة القدس هذا مشي الخدام في دار السلام عند الملك العلام قال ذو النون بعد موته في المنام يا الهي ان فبضت روحي فلا تكلني الى ملك الموت وان سالتني فلا تكلني الى منكر ونكير وان اهنتني فلا تكلني الى مالك وان اكرمتني فلا تكلني الى رضوان وحكي على الواصلي بعد موته في المنام قائم في الهواء وقد امتلا الهواء من نوره فقال نعم المولى مولانا غفر لنا واكرمنا وجعل بنا ما هو اهله واوصاني بمجالس الذكر ترفع الدرجات اما مالك بن دينار بعد موته في المنام صوتا يقول نجا من المهالك ومن وعثاء المسالك وصار الى دار السرور بمجاورة الرب الغفور اللهم اني اسالك باسمك الذي هو قوام الدين وبه ترزق العالمين وبه تحيي العظام وهي رميم ان كان لي خير عندك فعجل قبضي اللهم ان كنت تعلم اني احبك فبارك لي في لقائك وحكي ان رجلا راى مالك بن دينار رضي الله عنه في قصر معلق في الهواء لم يصف الواصفون حسنه فقال انزلني ربي في هذا القصر كما ترى واباح لي ان انظر اليه كلما اشتقت الى رؤيته موت المحب حياة لا انقطاع لها قد مات قوم وهم في الناس احياء .

لا إله إلا الله

لا إله إلا الله اذكرها يا مريــدي هي تبر القلوب ومسك الجيوب هي التبر المحبوب وجوهر نقيدي   تراها يا مبرور من حب السعيد هي شيخ الشيوخ تزول الفســـاد  يصفو قلب المريد من ران السواد هي بحر البحور اكسير التريـاق هي قمر التوحيد في السبع الطباق هي شمس القلوب علوم كل تاقي بها كشف الحجوب في علم الأذواق بها علم الغيوب لأهل الصـــواب هي نور الصراط ورجح الميزان بها يزخرف الجنان رضوان المعاني بها تشيد القصور للحور العياني هي علم العلوم رسول ونبي بها نطق الكتاب ورد الجواب هي نور التوراة والسبع المثاني  بها عرج الأمين إلى قاب داني   بها كشف الحجاب وفتح الأبواب وحلل من سندس في جنّة المعاني يا الله يا رحمان يا عظيم الشاني رضي شيخ المختار هو نور الجناني هو قطب الأقطاب ومناع الجاني هو غوث الأنام مفتاح المعاني مريدك الضعيف عبيد الرّحماني يبغي منك التحرير وحسن الإحساني اغفر له يا رحمان وجميع الإخوان من الإنس والجان إناث وذكران وجنّبني من الهوى النفس والشيطان وجميع الملاهي سواك يا رحماني

وتمت وعمت باذن الله تعالى كتابة هذا الكتيب المتواضع من قبل الفقير لربه
                                          بلخيري عبد الحكيم عامر  
يوم السبت 20 جانفي 2019 موافق 14/05 جمادي الأول 1440هـ على الساعة الرابعة مساءا و ثلاثون دقيقة
كتب هذا الكتيب بسبب نفحة في نفسي انتابتني وجعلتني انشط من جديد لانني في زمن مضى وانقضى وانا في كامل قوايا وصحتي كتبت عدة كتب جد قيمة والله المستعان ولم انشرها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والله المستعان على كل حال من الاحوال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك تعليقان (2):